أخذ أحمد الشرع الجولاني على عاتقه إنقاذ الشعب السوري من بطش عائلة الأسد التي حكمت البلاد أكثر من نصف قرن بالحديد والنار بحسب رأي كثيرين ، فدخل فاتحاً الأندلس الثانية “دمشق” ولكن بأغصان الغار والزيتون والأعلام البيضاء- ، فشكّل حكومة إنقاذ تأخذ على عاتقها إعادة إحياء وبناء ما تبقى من سوريا، وما بين دكتاتور وآخر، وما بين حكومة الإنقاذ والحكومة المؤقتة وأخرى الانتقالية وغيرها من المسميات، يسقط السوريون في خندقِ المجهول، فماذا تعني كل هذه المسميات؟؟ وماذا يختبئ وراءها؟؟
كل يوم تُطلق “حكومة الأمر الواقع” في دمشق “بالونات استطلاعية” على الشعب السوري، يعني تصريحات وقرارات وبيانات مستفزة – الغرضُ منها فرضُ واقعٍ شديد “جديد”-، وتنتظر تعليقات السوريين عليها مِتابعةً مشهد انقسام الشارع السوري واقتتال الآراء وازدحام الأفكار بهدوء ماكر، ثم بناء على ذلك تعدل تصريحاتها أو تلغيها أو تلف وتدور حولها “بدبلوماسية مبتدئة” لإقناعهم بوجهة نظرها وكسب ثقة الرأي العام المشوّش أصلاً وأكبر عدد من الأصوات المؤيدة الذين يحملون عنها مسؤولية محاربة وإسكات الأصوات التي تغرد خارج سربهم.
فمنذ يومين فجّر محافظ دمشق الجديد ” ماهر مروان” أكبر بالون استطلاعي بعد مقابلته مع الإذاعة الوطنية العامة الأمريكية NPR، برر في حديثه اجتياح اسرائيل لمناطق في الجنوب السوري، بقوله: “تقدمت قليلاً وقصفت قليلاً”، علماً أن الطيران الإسرائيلي لا يكف عن قصف مواقع في جميع أنحاء سوريا آخرها كان أمس في منطقة عدرا بريف دمشق وراح ضحية الغارة عدد غير محدد من المدنيين ولكن تم الاعتراف بـ10 فقط، ومع ذلك طلب محافظ دمشق من الولايات المتحدة عبر أثير إذاعتها الوطنية بأن تكون وسيطاً لإحلال السلام بين “سوريا الحرة” وإسرائيل… هنا انتفض الشارع السوري المنقسم بين مؤيد لإحلال السلام وبين معارض له بما أنه بداية الطريق لتطبيع كامل، ليخرج “مروان” ويتهرّب مما نسب إليه من تصريحات، ولفَّ ودار حول ما كان يعنيه ولكن ” لم ينفيه” صراحة!!!
حتى المرأة السورية لم تسلم من هذه البالونات، فمرة خرج المتحدث الرسمي باسم الإدارة السياسية التابعة لإدارة العمليات العسكرية ” عبيدة أرناؤوط” ليعفي المرأة من القيام بمهام لا تتماهى مع ما سماه “كينونتها”، كأن يكون لها تمثيل وزاري أو نيابي أو ولاية قضائية، حينها أثارت تصريحاته حفيظة النساء السوريات، واعتبرن ذلك انتقاصاً من شأنهن، وفي سبيل إصلاح إهانته لأهم عناصر المجتمع، عيّنت حكومة الأمر الواقع “عائشة الدبس” المُدانة بقضايا فساد أثناء عملها في مدرسة “الفاتح للموهوبين” في اسطنبول رئيسةً لمكتب شؤون المرأة ، وبعد يومين من تسلمها منصبها سكبت مزيداً من الزيت على النار وأكملت مسلسل إقصاء بني جنسها من سوريا المستقبلية، واعتبرت أن المرأة “معنية بنفسها وزوجها وأسرتها فهذا سلّم أولوياتها” وأنها لن تفتح المجال لمن يختلف معها بالفكر، مؤكدة ما تفوّه به “أرناؤوط” عدا عن طرحها رؤية القيادة التي ستصنع نموذجاً جديداً للمرأة السورية مرتكزاً على الشريعة الإسلامية وفقط الإسلامية، نموذجاً لا يسمح لأحد بالخروج قيد أنملة عن مساره المجهول والمقلق وضيّق الأفق كما يبدو…
ما تظهره الإدارة الجديدة من تناقضات يجعل الشارع السوري اليوم في حالة تخبط وعدم توازن، لا يستطيع أن يبني أي موقف، فهو بأمسِّ الحاجة لإجابات عن الكثير من الأسئلة والتوضيحات حول مستقبله كمواطن، كإنسان، كطفل، كإمرأة… إلخ ، وكل ذلك تُرجِئه الإدارة الجديدة إلى مؤتمر الحوار الوطني الذي يرنو إليه السوريون بتفاؤل بعد ثلاثة أشهر!!!
ما تظهره الإدارة الجديدة من تناقضات يجعل الشارع السوري اليوم في حالة تخبط وعدم توازن، لا يستطيع أن يبني أي موقف، فهو بأمسِّ الحاجة لإجابات عن الكثير من الأسئلة والتوضيحات حول مستقبله كمواطن، كإنسان، كطفل، كإمرأة… إلخ ، وكل ذلك تُرجِئه الإدارة الجديدة إلى مؤتمر الحوار الوطني الذي يرنو إليه السوريون بتفاؤل بعد ثلاثة أشهر!!!