أكد الدكتور عطا الله الرمحين، الباحث والمفكر السياسي، في حوار مع شبكة شام نيوز إنفو عبر إذاعة ميلودي إف إم، أن التطور السياسي في سوريا بعد الاستقلال شهد تعددية في التيارات السياسية والفكرية، حيث تنوعت بين تيارات ذات طابع قومي، اشتراكي-شيوعي، وإسلاموي. وأوضح أن هذه الأحزاب كان لها حضورها وتأثيرها في المجتمع السوري، لكنها اتسمت أحياناً بتحالفات شكلية بسبب التناقضات الأيديولوجية العميقة بينها. ففي حين انبثق التيار القومي كرد فعل على النجاحات القومية في أوروبا، استلهم السوريون هذه التجربة لبناء أحزاب قومية متعددة، منها البعث، الناصريون، والقوميون العرب.
وأشار الرمحين إلى أن الانتخابات البرلمانية بين عامي 1954 و1958 أبرزت تباين مواقف الشعب السوري، حيث نجح فيها بعثيون وشيوعيون، في حين شهد الإخوان المسلمون فشلاً انتخابياً. واعتبر أن ذلك عكس تطلعات المجتمع نحو حركات التحرر الوطني، لكن بعد عام 1958، ومع الوحدة بين مصر وسوريا، شهدت القوى السياسية قمعاً وتنكيلًا، ما أدى إلى تحول الفكر القومي إلى شكل دكتاتوري، بعيداً عن قيم التحرر والاستقلال التي أرادها الشعب السوري.
وأكد أن التيارات القومية التي كانت في البداية ذات طابع تقدمي وإنساني، تعارضت فيما بعد مع الفكر السلفي، ما جعل التحدي الأكبر أمامها هو توحيد رؤاها على أسس وطنية وفكرية. وشدد على أن مرحلة السبعينيات شهدت توافق المتناقضات من خلال تشكيل الجبهة الوطنية التقدمية، لكنها أفضت لاحقاً إلى تهميش الأحزاب، حيث أصبحت خاضعة لإملاءات الحزب الحاكم، ما أدى إلى انشقاقات وتحول الأحزاب إلى كيانات هامشية.
فيما يتعلق بمستقبل هذه التيارات، أوضح الرمحين أن إعادة بناء الدولة تتطلب من الأحزاب مواجهة الفكر السلفي والاتحاد على أرضية وطنية واضحة. كما شدد على أهمية انعقاد مؤتمر حوار وطني، يكون نقطة انطلاق لبناء دولة تستند إلى أسس صحيحة وتمثل جميع أطياف المجتمع. وأشار إلى أن نجاح هذا المؤتمر يعتمد على اختيار شخصيات تمثل مختلف التيارات والمكونات، وأنه إذا كان المؤتمر متنوعاً وموحداً في أهدافه، يمكن أن يكون أساساً لبناء مشروع سياسي واقتصادي يستفتي عليه الشعب السوري.
وفيما يخص تأجيل الإعلان عن مؤتمر الحوار الوطني، اعتبر الرمحين أن هذا التأجيل يعكس خللاً في الإعداد والتنسيق. كما أكد أن مشاركة جميع التيارات، سواء كانت دينية أو حزبية أو مستقلة، أمر ضروري لتفادي تهميش أي طرف قد يلجأ إلى المعارضة أو العنف. وأضاف أن على المؤتمر أن يقدم مشروعاً وطنياً يعبر عن آمال السوريين وتطلعاتهم، مع ضرورة تعديل هذا المشروع عند وجود ثغرات، لضمان تحقيق إجماع وطني حقيقي.
وختم الرمحين بالتأكيد على أهمية إشراك النخب السياسية والاجتماعية من الداخل والخارج في صياغة هذا المشروع، معتبراً أن التصريحات الأخيرة التي أدلى بها السيد الشرع تعكس توجهاً إيجابياً ينبغي البناء عليه، لضمان تحقيق نتائج مرضية ترضي جميع الأطياف وتساهم في بناء مستقبل مشرق لسوريا.