روسيا تدق ناقوس الخطر وتحذر من محاولات تقسيم سوريا في ظل غموض الموقف الأمريكي واستغلال إسرائيل للوضع لاحتلال المزيد من الأراضي السورية والبقاء فيها. والسؤال: كيف تشكل العلاقات السورية الروسية ضمانة لوحدة سوريا ومنع تقسيمها؟
حافظت العلاقات السورية الروسية على درجة عالية من المتانة والتعاون في مختلف المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية، حتى بعد سقوط الاتحاد السوفييتي والتغييرات الكبرى في روسيا… وبعد خمسة وثلاثين عاما، ها هو النظام السوري يسقط هو الآخر، إلا أن العلاقات السورية الروسية لا تزال قوية كالصخر، تتحدى عوادي الزمن وتصمد أمام الضغوط الأوروبية والتغيرات الدولية التي ترسم اليوم خارطة الشرق الأوسط الجديد والعالم…
ويبدو أن سياسة التنوع والحوار والتعاون التي يسلكها الرئيس السوري أحمد الشرع في نسج علاقات سوريا الخارجية في هذه المرحلة على الأقل، تهدف إلى النأي بسوريا عن سياسة المحاور والصدام التي عانى منها الشعب السوري، وربما كانت من أحد أسباب سقوط نظام بشار الأسد، والعمل على تهيئة كل الظروف المحلية والإقليمية والدولية لترتيب البيت السوري الداخلي ومحاولة حل المشاكل مع الجميع بالحوار…
ومن هنا يمكن فهم السياسة السورية المنفتحة تجاه جميع دول العالم، والرسائل الإيجابية المتبادلة بين القيادتين في سوريا وروسيا… فالرئيس بوتين لا يعتبر أن بلاده خسرت الحرب في سوريا بسقوط النظام، والرئيس الشرع أكد أن علاقات سوريا وروسيا استراتيجية وتقليدية. أما وزير الدفاع السوري مرهف أو قصرة فقد تحدث عن العلاقات مع روسيا من بوابة انفتاح سوريا على استمرار الوجود العسكري الروسي في قاعدة حميميم الجوية وقاعدة طرطوس البحرية، طالما أن القاعدتين تخدمان مصالح سوريا. وأكد في مقابلة مع صحيفة واشنطن بوست أنه في السياسة لا يوجد أعداء دائمون، وأشار أبو قصرة إلى أن سوريا تدرس إبرام اتفاقيات دفاعية مع عدة دول… وتجري محادثات مع كل من الولايات المتحدة وتركيا بشأن وضع قواعدهما العسكرية في البلاد..
ورغم الزخم الأوروبي باتجاه دمشق، ودعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للرئيس الشرع لزيارة فرنسا، التي يعود بها الحنين إلى سوريا لاستعادة نفوذها إلى أيام الانتداب الفرنسي، بالإضافة إلى دعوة وزير الخارجية أسعد الشيباني لزيارة بروكسل لمناقشة سبل رفع العقوبات عن سوريا… وعشرات الزيارات الأوروبية التي لا تنقطع عن دمشق، إلا أن كل هذه الأبواب الأوروبية المفتوحة لا تعني بأي شكل من الأشكال إغلاق البوابة الروسية، بل على العكس تسعى إدارة الشرع لكسب الدعم الروسي السياسي والدبلوماسي، وضمان الحماية من أي ضغوط غربية، والمحافظة على وحدة البلاد، وهذا هو جوهر وأساس السياسة الروسية..
وكانت روسيا من أوائل الدول التي دعت إلى رفع العقوبات عن سوريا، كما حذرت بلسان وزير خارجيتها سيرغي لافروف، الذي يعد اليوم الدبلوماسي الأشهر في العالم والأكثر اهتماما بالملف السوري، وبالتالي للتحذيرات التي أطلقها من محاولات تقسيم سوريا أهمية كبيرة لا بدّ من التوقف عندها مليًا…
الوزير لافروف، الذي يعرف جيدا القوى الدولية المنخرطة في الملف السوري وأهدافها، حذر من تقسيم سوريا ودق ناقوس الخطر، وقال إنه يجب منع تقسيم سوريا إلى دويلات، وأنه على إسرائيل عدم ضمان أمنها على حساب الآخرين، وذلك في إشارته إلى المناطق التي احتلتها إسرائيل في محافظة القنيطرة وترفض الانسحاب منها بعد سقوط النظام، وإلى المناطق الشرقية التي لا تزال ميليشيات قسد تسيطر عليها بدعم أمريكي وترفض تسليم السلاح إلى جيش سوريا الجديد. وهذه التحذيرات تخدم بلا شك توجهات القيادة الجديدة في سوريا ومشروعها لإعادة بناء الدولة السورية الموحدة والمستقلة دون أي تدخلات خارجية.
الوزير لافروف أكد أن موسكو على تواصل مع الإدارة السورية الجديدة على المستويين الدبلوماسي والعسكري، وقال إن روسيا تعول على استئناف التعاون الاقتصادي مع السلطات السورية الجديدة، وإنها تأمل ألا تكرر سوريا مصير ليبيا بعد تغيير السلطة في البلاد، في إشارة إلى حالة التشرذم والانقسامات على الساحة الليبية..
تصريحات لافروف جاءت فيما كان ترامب ونتنياهو في واشنطن يضعان الخطط ويرسمان خارطة المنطقة وما يسمى الشرق الأوسط الجديد، دون الإعلان عن أي موقف تجاه السلطات السورية الجديدة، فيما كانت أوروبا تطالب منذ سقوط النظام بخروج القوات الروسية من سوريا، ولكن المطالب الأوروبية ذهبت أدراج الرياح بعد التأكيدات الروسية والسورية بأن العلاقات البينية بين دمشق وموسكو تسير على السكة الصحيحة، وبعد زيارة بوغدانوف الناجحة إلى دمشق ولقائه مع الرئيس الشرع..
لا شك أن العلاقات بين دمشق وموسكو اليوم ضرورية لترسيخ وحدة سوريا والوقوف في وجه المحاولات الانفصالية المدعومة من واشنطن وتل أبيب، خاصة وأن الدبلوماسية الروسية منخرطة بشكل كبير مع تركيا على وجه الخصوص في ملف الحل السياسي المنشود لتشكيل حكومة سورية شاملة أساسها وحدة البلاد واستقلالها وسيادتها، وإعادة تسليح الجيش السوري… وذلك بالتعاون مع تركيا التي بدأت تطلع بدور واسع ونفوذ كبير على الساحة السورية بعد سقوط نظام الأسد على أساس وحدة البلاد أرضا وشعبا.