الشرع يشكل حكومة البناء والتغيير من 23 وزيرا دون محاصصة… ترحيب عربي ودولي وانقسامات في الشارع السوري…
أخيرا وبعد طول انتظار، أعلن الرئيس السوري أحمد الشرع في احتفال حاشد في قصر الشعب وعلى وقع تداعيات أحداث الساحل المؤلمة، ولادة أول حكومة سورية برئاسته بعد سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من كانون الأول من العام الماضي.
فبعد إلغاء منصب رئيس الوزراء وفق الإعلان الدستوري الذي صاغته لجنة مختصة للمرحلة الانتقالية، باتت السلطة التنفيذية تتركز بيد رئيس الجمهورية.. مع الإشارة إلى أن السوريين لم يعهدوا أنفسهم يوما بدون رئيس وزراء الذي كان دائمًا يشكل مع الرئيس ثنائية الحكم في سورية منذ الاستقلال، وكان منصب رئيس الوزراء في الخمسينيات يتمتع بمكانة سياسية تضاهي الرئيس…
التغيير الكبير في سورية على صعيد الحكومة وعدد وزرائها وصلاحيات رئيس الجمهورية الجديدة سيعيد تشكيل المشهد السياسي في سورية، وسينعكس على طبيعة العمل الحكومي الذي سيتركز في شخصية الرئيس على وجه الخصوص، وعليه صياغة العلاقات السياسية الخارجية ورسم الخطط الاقتصادية بالإضافة إلى نسج العلاقات الخارجية في ظل واقع سياسي واقتصادي وأمني معقد، وفي ظل استمرار العقوبات الغربية والأمريكية بعد أن وضعت واشنطن شروطها لرفع العقوبات، ومن أهمها توسيع المشاركة في الحكم، حيث لا تزال الشكوك تراود البعض بشأن نظام الحكم في سورية بوصفه حكما إسلاميا، رغم أن أعضاء الحكومة الجديدة ينتمون إلى تيارات مختلفة ويتمتعون بميزات علمية وأكاديمية متخصصة. وقد أكد الرئيس الشرع في كلمة له بمناسبة عيد الفطر: إن الحكومة الجديدة ابتعدت عن المحاصصة باتجاه المشاركة، وأن الوزراء فيها من أصحاب الخبرة والكفاءة وهمهم بناء هذا البلد، وهدفهم التغيير والتحسين والبناء.. ورغم صدور بيانات من قوات سورية الديمقراطية ومن رجال الكرامة في السويداء برفض المشاركة في الحكومة، إلا أن الترحيب العربي والدولي الواسع أعطى الحكومة الجديدة زخما ومصداقية، فقد رحبت السعودية ومصر والأردن وتركيا وفرنسا وبريطانيا والإمارات وروسيا بالحكومة الجديدة التي ابتعدت عن مظاهر التشدد، وأعطى مشاركة الوزيرة هند قبوات رسالة واضحة بشأن الحرص على دور المرأة، مع أن البعض طالب بتمثيل أوسع للعنصر النسائي…
ولا شك أن توسيع المشاركة وعدم المحاصصة واعتماد خطاب سياسي معتدل والدعوة إلى السلام مع الجميع، كل ذلك منح الرئيس الشرع قدرة أكبر على مواجهة الضغوط الخارجية والعقوبات والانتقادات والتحديات الناجمة عن محاولات البعض تنمية مشاعر الغضب ونشر الفتن وإبقاء حالة الفوضى والقلق وانعدام الأمن في مناطق عديدة من البلاد.
فالحكومة الجديدة ضمت 23 وزيرا بينهم امرأة واحدة فقط، فيما تم حصر الوزارات السيادية وهي الخارجية والدفاع والعدل ضمن الدائرة المحيطة بالرئيس الشرع، وتم تجاوز الاختصاصات في بعض الوزارات، فوزير العدل يحمل شهادة الطب، فيما كان لافتا إعطاء وزارة المالية وهي وزارة سيادية للأقليات التي تم تمثيلهم بأربع وزارات..
ومع أن الكفة لا تزال تميل بالكلية إلى جانب الرئيس الشرع وفريقه الذي جاء معه خلال التحرير من إدلب، إلا أن ما يعكر صفاء الحكم ليس الاعتراضات الداخلية فحسب، وإنما الاعتداءات الإسرائيلية والخلافات والمصالح المتعارضة بين إسرائيل التي اخترقت الحدود واتفاق فض الاشتباك عام 1974 وواصلت اعتداءاتها على الأراضي السورية، وبين تركيا على وجه الخصوص التي وقفت بقوة إلى جانب الحكومة الجديدة ورفضت بشكل قاطع الاعتداءات والتدخلات الإسرائيلية في الشؤون السورية الداخلية.
تغييرات واسعة على شكل الحكومة السورية الجديدة التي يترأسها الشرع لأول مرة في تاريخ سورية الحديث، فقد احتفظ وزيرا الدفاع مرهف أبو قصرة والخارجية أسعد الشيباني بمنصبيهما، وتم دمج وزارتي الكهرباء والنفط معا بوزارة الطاقة التي تسلمها رئيس الحكومة المؤقتة السابق محمد البشير. كما تم دمج وزارتي الاقتصاد والصناعة في وزارة واحدة هي وزارة الاقتصاد.. وتم استحداث وزارتين جديدتين هما وزارة الطوارئ والكوارث ووزارة الشباب والرياضة…..
وخلال الإعلان عن الحكومة في احتفال ضخم في قصر الشعب، عرض الوزراء الجدد في كلماتهم المختصرة برامج عملهم، مؤكدين على أن الحكومة الجديدة برئاسة الشرع مصممة على العمل بجد على بناء علاقات خارجية قوية ومتينة مع المجتمع الدولي ومع الدول العربية، وعلى بناء جيش قوي ومهني للدفاع عن سورية ووحدتها التي تتعرض للاعتداءات من قبل الاحتلال الإسرائيلي، مؤكدين على المضي قدما بتحقيق تطلعات الشعب السوري وبناء الدولة والمؤسسات ومعالجة الخلل ومحاربة الفساد وحل القضايا الاقتصادية والسياسية وتعزيز حقوق الإنسان.
من رحم الثورة التي انطلقت من إدلب وحررت البلاد من نظام الأسد البائد.. ولدت الحكومة السورية الجديدة التي تضم خبرات وكفاءات وفق معايير محددة.. فالعديد من الوزراء تخرجوا من جامعات في ألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة، كما ضمت اثنين من الوزراء السابقين الذين كانوا أعضاء في حكومات.
تشكيل الحكومة جاء بعد سلسلة خطوات كان من أهمها انعقاد مؤتمر النصر والتحرير الذي بايع الرئيس الشرع رئيسا للمرحلة الانتقالية لمدة خمس سنوات، وانعقاد مؤتمر الحوار الوطني وإصدار الإعلان الدستوري الذي وضع أسسا جديدة للحكم خلال هذه المرحلة التي سيتم استكمالها بانتخاب سلطة تشريعية عبر انتخاب مجلس تشريعي انتقالي وفق الإعلان الدستوري.
ورغم التحديات الكبيرة والصعوبات والتعقيدات والعقوبات المفروضة على سورية، إلا أن الرهان اليوم على إرادة السوريين وتصميمهم على تجاوز كل الخلافات والعقبات وصولا إلى تحقيق أهداف الثورة السورية ببناء دولة عصرية متقدمة وتعزيز وحدة البلاد وسيادتها وحريتها.