تواجه سوريا اليوم تحدياً اقتصادياً هو الأكبر في تاريخها الحديث، وتقف البلاد على مفترق طرق بين معاناة العقوبات، والدمار الذي خلفته الحرب، والتحديات الهيكلية التي تراكمت عبر العقود.
في هذا التحقيق الصحفي تحاول صحيفة الثورة تقديم رؤية حول الواقع الاقتصادي والحلول الممكنة للخروج من الأزمة.
معدلات البطالة
معدلات البطالة والفقر وصلت إلى مستويات غير مسبوقة، ويشير تقرير للأمم المتحدة إلى أن أكثر من 90% من السوريين تحت خط الفقر، ومع تفاقم الأزمة، هاجر عدد كبير من الكفاءات ورجال الأعمال ما زاد الطين بلّة وأضعف القدرة على التعافي الذاتي.
كوارث اقتصادية متراكمة
الخبير والاستشاري في الإدارة والاقتصاد وإعادة هيكلة الشركات- المختص بالإدارة العامة والتنفيذية، الدكتور عبد المعين مفتاح، يصف الوضع الاقتصادي الحالي أنه “حالة من الكساد العميق، وفقدت الليرة السورية أكثر من 90% من قيمتها، ما أدى إلى تضخم غير مسبوق وانخفاض كارثي في القوة الشرائية”.
ويرى أن “اقتصاد الظل أصبح يشكل نسبة كبيرة من الدورة الاقتصادية، ما أفقد الدولة القدرة على ضبط الأسواق وجعل الرقابة شبه مستحيلة”، لافتاً إلى البنية التحتية المتهالكة كالكهرباء والمياه والمواصلات التي باتت في أسوأ حالاتها، وهي تشكل عائقا أمام التعافي الذاتي، ما يجعل أي نشاط اقتصادي أكثر صعوبة.
ويوضح أن هذه العوامل مجتمعة أدت إلى شلل اقتصادي، حيث باتت غالبية السوريين عاجزين عن تأمين الحد الأدنى من احتياجاتهم.
خطوة أولى
أما رجل الأعمال الأستاذ محمد ركاد حميدي، فيقول: علينا البدء بالخطوة الأولى من خلال طرح الخطط، والبدء بالتنفيذ بسرعة، نحن تحت العقوبات منذ العام 1982، ولكن لم نحسن الاستفادة من تحفيز مبدعينا وزراعتنا وصناعتنا لتعوضنا عن الحصار إلا في جوانب قليلة، علينا اليوم تحفيز الصناعة والزراعات والصناعات الزراعية بشكل خاص، وسواها، يجب أن نحقق الأمن الغذائي من دون استيراد، ثم نبدأ بالتصدير، أو يحدث ذلك بالتوازي، يجب أن نمضي نحو الإنتاج والنمو ولو ببطء، ويتابع حميدي: “سوريا بحاجة لكل سوري مخلص، سواء داخل البلاد أم خارجها، لإعادة البناء من جديد، فالاقتصاد لا ينهض بالشعارات، بل بالتخطيط السليم والعمل الجاد، وتحويل الاقتصاد السوري إلى اقتصاد مستدام وتنافسي يتطلب إرادة سياسية وإصلاحات اقتصادية عميقة، وتكاتفاً وطنياً يشمل جميع شرائح المجتمع”.
اقتصاد تنافسي
وكي تكون منتجاتنا قادرة على المنافسة يطالب رجل الأعمال الدكتور المهندس ياسر أكريّم الحكومة بمساعدة التجار والصناعيين، وذلك بعقد اتفاقيات دولية، وخاصة مع الصين من خلال صفقات كبيرة لتثبيت أسعار المستوردات لمدة عام على سبيل المثال، وخاصة المواد الأولية الداخلة في الصناعة السورية، وهذا أمر معمول به من قبل الدول التي تدعم تجارها وصناعييها.
وكذلك على الحكومة البحث عن ناقل باتفاقات ثابتة لمدة عام، وبأسعار منافسة، وبذلك يمكن تخفيف تكلفة النقل، الأمر الذي سيؤدي تلقائياً إلى تخفيف قيمة المنتج، وبالتالي يزيد قدرته على المنافسة، ويتابع د. أكريّم: لا ننسى تخفيض الرسوم والجمارك أو إلغائها، بخاصة على المواد الأولية الداخلة في الصناعة، داعياً الحكومة إلى منح التجار والصناعيين قروضاً من دون فوائد، أو بفوائد رمزية لتوسيع أعمالهم، ولمساعدة المتعثرين منهم على النهوض والإسهام في الإنتاج من جديد.
دستور اقتصادي واضح
وفي السياق ذاته يطالب الدكتور مفتاح أن يكون لسوريا دستور اقتصادي واضح، يجمع بين الاقتصاد الحر والمبادرات المبتكرة، مع تعزيز الإنتاج المحلي وإعادة سوريا إلى مكانتها التجارية الإقليمية”، ويوضح أن ذلك يمكن تحقيقه عبر ما يلي:
أولاً: تحفيز الصناعة الوطنية عبر تقديم إعفاءات ضريبية وجمركية لفترات محددة، ما يساعد على نهضة المصانع المتعثرة.
ثانياً: تحسين البنية التحتية عبر استثمار دولي مدروس في قطاعي النقل والطاقة.
ثالثاً: تعزيز الأسواق الإقليمية من خلال توسيع الشراكات التجارية مع الدول المجاورة.
رابعاً: تحقيق الاستقرار المصرفي، وذلك بتحرير الأنظمة المصرفية وتوحيد سعر الصرف، مع رفع جميع القيود عن عمليات الإيداع والسحب.
محاربة الفساد
ويشدد الدكتور مفتاح على أن الفساد كان “السرطان الذي دمر الاقتصاد السوري”، وأن القضاء عليه أن يبدأ بتفعيل الحوكمة الإلكترونية، للحد من الفساد الإداري والتلاعب بالمال العام.. ومن خلال استقلالية القضاء، لضمان محاسبة كل المتورطين في الفساد المالي والإداري، وأيضاً من خلال تعزيز الشفافية والمساءلة داخل المؤسسات الحكومية.
لا للاقتراض الدولي
يرى د. مفتاح أن “سوريا ليست بحاجة للاقتراض الدولي إذا أحسنت استغلال مواردها، وأن الحل يكمن في الاعتماد على الموارد الذاتية، من خلال جذب استثمارات السوريين المغتربين، بمنح تسهيلات وضمانات قانونية.
ومن خلال الشراكة بين القطاعين العام والخاص عبر نظام BOT لتنفيذ مشاريع البنية التحتية، وكذلك من خلال دعم المنتجات المحلية عبر إعفائها من الضرائب لتعزيز الإنتاج الوطني، أيضاً يجب إصلاح النظام الضريبي لتخفيف الضغط على المواطنين وتشجيع النشاط التجاري.
نسبة النمو إلى 10%
يرى الدكتور مفتاح أن تحقيق نسبة نمو اقتصادي تصل إلى 10% سنوياً ممكن من خلال: أولاً: زيادة الإنتاج الزراعي والصناعي، ما يرفع الصادرات ويقلل الاستيراد. ثانياً: تحفيز ريادة الأعمال، عبر تقديم تمويلات ميسرة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة. ثالثاً: الاستثمار في الطاقة المتجددة، لتوفير مصادر طاقة مستدامة بأقل تكلفة. رابعاً: تشجيع التصدير للأسواق الإقليمية والعالمية، خاصة في قطاعي الزراعة والصناعة.
مراحل التحول الاقتصادي
يجب وضع خطة زمنية واضحة لمراحل التحول الاقتصادي، كأن تكون المرحلة الأولى (1- 3 سنوات) يتم التركيز فيها على استقرار العملة، وتحسين البنية التحتية، وجذب استثمارات المغتربين. المرحلة الثانية (4- 7 سنوات) خلالها يتم دعم القطاعات الإنتاجية، وتحقيق الاكتفاء الذاتي، وتعزيز الصادرات. المرحلة الثالثة (8- 10 سنوات) يتم العمل فيها على تحويل سوريا إلى مركز اقتصادي إقليمي، وتنويع مصادر الدخل.
الحلول الاقتصادية
أخيراً تحدث الدكتور مفتاح عن الحلول الاقتصادية، فبيّن أن النهوض الاقتصادي يتطلب رؤية شاملة تعتمد على إصلاحات جذرية، واقترح خطة من عدة محاور:أولاً: إعادة بناء البنية التحتية، حيث يجب توجيه الاستثمارات لإعادة تأهيل الطرق، شبكات الكهرباء، والمياه، ما سيحفز النشاط الاقتصادي. ثانياً: إصلاح النظام النقدي، إذ ينبغي وضع سياسات نقدية مرنة ومستدامة للتحكم في التضخم وتثبيت سعر الصرف. ثالثاً: تشجيع الاستثمار المحلي والخارجي عبر تقديم حوافز ضريبية وتسهيلات مصرفية، خاصة لرجال الأعمال السوريين في الخارج. رابعاً: تحفيز القطاعات الإنتاجية، وذلك بدعم مباشر للزراعة والصناعة، ما يعزز الإنتاج المحلي ويقلل الاعتماد على الاستيراد. خامساً: تعديل القوانين الاقتصادية من خلال تحديث التشريعات لتكون مرنة وتشجع الاستثمار، بما يشمل تسهيل إنشاء الشركات وإجراءات السجل التجاري والصناعي.