في ظل التعقيدات غير المسبوقة التي تواجهها سوريا بعد مرحلة سقوط النظام السابق، تبرز إشكالية الحوار بين المكونات السورية كأهم تحدٍ يعترض عملية الانتقال نحو بناء الدولة الحديثة. وفي حديث خاص مع الإعلامي عماد نداف لشبكة شام نيوز إنفو على إذاعة فيرجن إف إم، تم تحليل هذه الإشكالية وأبعادها العميقة، خاصة بعد عقد اجتماع الحسكة الذي أثار ردود فعل رسمية وغاضبة من الحكومة السورية.
يرى نداف أن المرحلة الانتقالية في كل الثورات تحمل صعوبات جمة، لكن خصوصية الحالة السورية تكمن في غياب الحياة السياسية الحقيقية على مدى خمسة عقود، ما أفقد السوريين القدرة على الحوار البناء. ويشير إلى أن اجتماع الحسكة، رغم ضمّه لشخصيات من مختلف الطوائف، إلا أنه لا يمثل الشعب السوري تمثيلاً حقيقياً، بل يعكس أزمة التمثيل السياسي التي خلقتها سياسات النظام السابق في تفريغ المجتمع من القيادات الوطنية الحقيقية. ويحذر من أن مثل هذه الاجتماعات قد تؤدي إلى حرب أهلية إذا لم يتم احتواؤها ضمن إطار حوار وطني شامل.
على الصعيد الدستوري، يكشف التحليل أن الوثيقة الدستورية الحالية تفتقر إلى الشرعية الشعبية، إذ تم إعدادها بعيداً عن أي حوار مجتمعي حقيقي. ويؤكد نداف أن الدستور يجب أن يكون نتاج عملية تشاركية طويلة، تناقش فيها البنود عبر وسائل الإعلام ومنصات الحوار المفتوحة، لا أن يفرض من قبل لجنة مغلقة. ويربط بين أزمة الدستور وأزمة الأحزاب السياسية، مشيراً إلى أن قانون الأحزاب الصادر عام 2012 قضى على أي إمكانية لتكوين حياة سياسية حقيقية، ما دفع بالتمثيل الطائفي إلى الواجهة كبديل عن التمثيل السياسي.
في الإطار الإعلامي، يسلط نداف الضوء على الدور الخطير الذي تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي المزوّرة في تأجيج الصراعات الطائفية، مشيراً إلى وجود نحو 300 ألف حساب مزور ينشط من لبنان وتركيا بهدف زعزعة الاستقرار في سوريا. ويطالب بإنشاء إعلام حر وقوي قادر على خلق مساحات حوار حقيقية بين السوريين، بدلاً من الاكتفاء بالخطابات الأحادية التي تكرس الانقسام.
ختاماً، يؤكد نداف أن بناء الدولة السورية الحديثة يتطلب الانتقال السريع من مرحلة الثورة إلى مرحلة الدولة، عبر استيعاب كل المكونات دون استثناء. ويحذر من أن إطالة أمد المرحلة الانتقالية ستؤدي إلى مزيد من التفتت والانهيار، داعياً إلى عقد مؤتمر وطني شامل يشارك فيه جميع السوريين بغض النظر عن انتماءاتهم. ويبقى السؤال الأكبر: هل ستتمكن سوريا من تجاوز إرث الماضي الثقيل لبناء مستقبل يجمع كل أبنائها، أم ستظل أسيرة الصراعات الطائفية والتدخلات الخارجية؟ الإجابة على هذا السؤال ستحدد مصير سوريا كدولة وكشعب لأجيال قادمة.