في الفترة الأخيرة ، تروج بعض وسائل الإعلام حول انسحاب القوات الأمريكية من سوريا ، في وقت تتزايد فيه التحذيرات الأمريكية من
السفر إلى دمشق، نظراً لوجود تهديدات أمنية وتصاعد المخاطر من وقوع هجمات وشيكة وبحسب وزارة الخارجية الأمريكية فإنها “تتابع معلومات موثوقة تتعلق بهجمات وشيكة محتملة، بما في ذلك مواقع يرتادها السياح”، دون الكشف عن أية تفاصيل بشأن مصدر المعلومات، ولا الجهات التي تخطط للهجمات المزعومة ، هذه التحذيرات تزامنت مع إعلان جديد لتنظيم الدولة الإسلامية ” داعش” بشن هجمات في سوريا معتبراً السلطات الجديدة من
“المرتدين”… فماذا يحدث بالفعل وهل فعلاً سينسحب الأمريكي وهل يعتبر انسحابه إيجابياً في هذه المرحلة الدقيقة والحساسة ؟؟
في الحقيقة، وخلال عهد دونالد ترامب الماضي ،
تحدث مرات عديدة عن نواياه بسحب قواته من سوريا ، وهذا لم يتحقق بالمطلق ، إنما كان التوجه الأمريكي نحو إعادة تنظيم هذه القوات داخل الأراضي السورية فقط ، واليوم أيضاً لم يخرج الموضوع من سياق إعادة تنظيم وتموضع القوات الأمريكية، وهذا ما أكدته وزارة الدفاع ” البنتاغون”، حيث نفت التقارير التي تتحدث عن
انسحاب أمريكي ، وأشارت إلى أن الولايات المتحدة تعيد توزيع قواتها وفقاً للاحتياجات التشغيلية والظروف الطارئة.
دائماً تستشهد الولايات المتحدة بنجاحاتها التي حققتها في سوريا بالأخص محاربة تنظيم داعش المصنف على لوائح الإرهاب العالمية، تقول إنها قضت عليه منذ عام 2019، ، إلا أن عناصر التنظيم تنتشر في سوريا مستغلة الفوضى والفلتان الأمني لتكشر عن أنيابها من دون سابق إنذار ، خاصة أن هناك عشرات الفيديوهات التي تم تداولها لعناصر يتجولون بحريّة داخل الأراضي السورية وهم يرفعون رايات التنظيم أو يضعون على سواعدهم عصائب تؤكد انتمائهم لتنظيم
الدولة، وهذا ما شهدناه في مناطق الساحل السوري ، فأي نجاح تتحدث عنه واشنطن!!خاصة بعدما عادت داعش إلى الواجهة بتهديدات جديدة للسلطات السورية وللمدنيين
ودعوات لعناصر الأمن العام بالانشقاق والانضمام إليها ..
من الممكن أن تخفض أمريكا عديد قواتها في سوريا ، لكن موضوع انسحابها يبدو أنه بعيد وغير ممكن على الأقل على المدى المنظور،
ولن تنسحب قبل أن تجد الوكيل الذي سيملاً هذا الفراغ، اليوم تقول إسرائيل إن الانسحاب الأمريكي من شمال شرق سوريا، سيضطرها للقيام بحراك ملائم، وهنا تطرح علامات استفهام كثيرة حول طبيعة هذا الحراك ، وتصريحات تل أبيب تعزز فرضية التنسيق الوثيق بينها وبين واشنطن وأذرعها في الملف السوري، والاتفاق المحتمل هو أن يجري تعاون ما أو تنسيق ما بين اسرائيل و الأكراد لملئ الفراغ الأمريكي ، وإلهام أحمد الرئيسة المشتركة لدائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية التي يقودها
الأكراد في شمال شرق سوريا ألمحت خلال حضورها ملتقى السليمانية الذي عقد منذ أيام ، أن التوجه الحالي يتجلى في إضفاء السلام بينهم وبين جميع دول الجوار بما يخدم حالة الاستقرار في سوريا، وعندما سُئلت: هل إسرائيل من ضمن دول الجوار التي تقصدينها؟ ، فقالت: نعم ، الجميع !
أمريكا ، تعلب في الساحة السورية بهدوء،
تتدخل بهدوء وتضغط بهدوء وتنسحب بهدوء، وهي في جميع تصريحاتها تبين أنها لا تريد أن تكون في الواجهة فيما يتعلق بالملف السوري، لكن كل ما حصل ويحصل وسيحصل في
سوريا هو بترتيب منها وتنسيق معها بما يخدم المصلحة الامريكية الاسرائيلية بالتحديد ، وموضوع سحب قواتها أو تخفيض عديدهم لن يتم إلا وفق هذا المسار و يعود إلى ترامب في النهاية الذي يدرس هذا الملف حالياً و يُنتظر ما سيثبت بشأنه.