حكومة دمشق تسابق الزمن بعد رفع العقوبات الأمريكية لتغيير الوضع على الأرض ووزارة الدفاع تبدأ الحملة لإخلاء الجيش من العناصر الأجنبية ومحاسبة مجرمي الحرب
فور عودة الرئيس أحمد الشرع من الرياض بعد لقائه مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بدت الحكومة السورية وكأنها تسابق الزمن في قراراتها وإجراءاتها لمعالجة الوضع السياسي والأمني. وكأن الحكومة تستعجل تنفيذ الشروط والتعهدات التي تم التوصل إليها في قمة الرياض، بالتوازي مع تسريبات عن محادثات سرية سورية إسرائيلية في كازاخستان. وتصاعدت التحركات العسكرية في كل الاتجاهات لخلق بيئة آمنة ومستقرة للبدء بعمليات الاستثمار والبناء والإعمار، لأن الدول الأوروبية والولايات المتحدة ودول الخليج التي تريد دعم الحكومة السورية بعد قرار رفع العقوبات الأمريكية تشترط بالدرجة الأولى تحقيق الأمن الكامل والاستقرار.
وفي هذا الإطار، قامت الحكومة ممثلة بوزارة الدفاع على وجه السرعة بإطلاق حملات أمنية متعددة، وتم الإعلان عن تشكيل خمس مناطق أمنية في سورية وتم تحديد المسؤوليات عن هذه المناطق. كما قامت وحدات من الجيش بمهاجمة خلايا لتنظيم داعش في أحياء حلب الشرقية وفي أماكن مختلفة، فيما كانت قوات الأمن تقوم بحملات مكثفة في ريفي حماة وطرطوس لملاحقة المتورطين بالجرائم من فلول النظام البائد من جهة، ومحاولة عزل الفصائل والعناصر الأجنبية في وزارة الدفاع من جهة أخرى. حيث أعلنت الوزارة في بيان أنها استكملت هذه العملية وقامت بضم جميع الفصائل وأعطت مهلة عشرة أيام تبدأ من الثامن عشر من أيار لتسليم السلاح والانضمام إلى الجيش مهما كان تعداد الفصيل أو المجموعة. وأكدت الوزارة أنها بعد انتهاء المهلة ستقوم بحسم الأمور لحصر السلاح.
وكانت هذه القرارات إشارة إلى انعكاس التطورات العسكرية والأمنية في تركيا بعد إعلان حزب العمال الكردستاني عن حل نفسه وتسليم سلاحه على الوضع في سورية، حيث تعمل وزارة الدفاع لبسط سيطرتها الكاملة على مناطق شرق الفرات وتعمل على ضم قوات سورية الديمقراطية إلى الجيش إذا استطاعت إلى ذلك سبيلا. وربما تكون هذه الإجراءات والقرارات نتاج التفاهمات التي تم التوصل إليها خلال قمة الرياض بين الحكومة السورية والإدارة الأمريكية ودول الخليج، والتي تقضي بأن تسيطر الدولة السورية على كامل المناطق وذلك كشرط لاستكمال إجراءات رفع العقوبات الأمريكية بشكل شامل عن سورية.
وأمام الزخم الذي أعطاه قرار ترامب رفع العقوبات عن سورية، حاولت الحكومة السورية تسريع إجراءاتها السياسية، وكانت القمة العربية في بغداد فرصة لإعلان العديد من الخطوات السياسية من أهمها اقتراب انتخاب وتعيين برلمان جديد مصغر يؤدي وظيفته التشريعية ويضع القوانين للمرحلة الانتقالية ويؤسس لوضع دستور جديد للبلاد. في وقت يتم الحديث عن اقتراب تشكيل حكومة موسعة لضم ممثلين عن الأكراد وطمأنة أبناء الساحل والدروز في الجنوب بأن أعمال العنف التي شهدتها مناطق الساحل وصحنايا وجرمانا بريف دمشق لن تتكرر، وهذا من أهم المطالب والدعوات الدولية والإقليمية لحكومة دمشق.
وكان لافتا أن الرئيس الشرع قام على وجه السرعة في ظل هذه التطورات المتسارعة على الساحتين المحلية والإقليمية بعد قمة الرياض واجتماعات إسطنبول وقمة بغداد بإصدار مراسيم لتشكيل هيئتين للمفقودين وللعدالة الانتقالية، وأعطى الشرع رئيسي الهيئتين مهلة شهر لإتمام الوثائق وإقرار النظام الداخلي والبدء بالمحاكمات وتطبيق القانون ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم المرتكبة وتقديم المتورطين في هذه الجرائم إلى العدالة. وبطبيعة الحال ستشمل المحاكمات المتورطين بأحداث الساحل الأخيرة بالإضافة طبعا إلى تحديد أسماء المسؤولين عن الجرائم والمجازر التي تم ارتكابها خلال الحرب والانتهاكات الجسيمة خلال العقود الماضية وخاصة خلال الأربعة عشر عاما الماضية التي شهدت خلالها سورية حربا واسعة كان العالم بأسره يتابع فصولها عبر وسائل الإعلام.
ولا بد من الإشارة في هذا المجال إلى أن الضغوط التي تتعرض لها الحكومة منذ أحداث الساحل والتي راح ضحيتها المئات من الأطفال والنساء والمدنيين الأبرياء لا تزال مستمرة ومتصاعدة من أجل محاسبة الذين ارتكبوا تلك الأعمال الإجرامية التي أقرت بها الحكومة وشكلت لجنة تحقيق فيها دون أن يصدر حتى الآن أي أحكام أو إدانات. وهذا ما أدى إلى مضاعفة الدعوات والمطالب الدولية بضرورة إخلاء الجيش من العناصر الأجنبية والفصائل المنفلتة التي ارتكبت تلك المجازر.
الخطوات السياسية والأمنية والاقتصادية المطلوبة على وجه السرعة من الحكومة السورية كبيرة ومتنوعة وتهدف إلى توجيه رسائل إلى المجتمع الدولي وإلى الولايات المتحدة والدول الخليجية بأن الحكومة السورية جادة في معالجة جميع الهواجس والمخاوف وهي مصممة على القيام بكل ما يطمئن المجتمع الدولي الذي يشكك بشرعية الحكومة ويتخوف من تحولها إلى حكومة دينية متطرفة تفرض واقعها ورؤيتها على الأقليات في سورية. إلا أن حكومة الشرع تحولت بعد قمة الرياض والقمة العربية في بغداد إلى ورشة عمل لا تهدأ قبل فوات الأوان، وذلك لاستغلال الفرصة المتاحة اليوم بعد رفع العقوبات الأمريكية للانطلاق نحو ترسيخ الوحدة الوطنية واستعادة الأمن والسلام إلى سورية.
ولكن السؤال: هل تنجح الحكومة في كل هذه الإجراءات والأعمال وهي تصفي النوايا؟ أم أن كل الكلام والتوقعات رهن الوضع على الأرض؟ فالمجتمع الدولي حتى يواصل انفتاحه على سورية يريد أفعالا لا أقوالا. فهل ستكون الحكومة السورية على قدر هذا التحدي الكبير؟