في حديث خاص مع شبكة شام نيوز إنفو على إذاعة فيرجن إف إم، قدم الأستاذ نعيم أقبيق، الخبير في القانون الدولي، تحليلاً شاملاً لتشكيل الهيئة الوطنية للمفقودين والهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية في سورية، معتبراً أن هذه الخطوة تمثل ضرورة حيوية للمجتمع والمصالحة الوطنية. وأكد أقبيق أن الظروف التي أدت إلى تشكيل الهيئتين تنبع من تركة النظام البائد الذي اتبع الأساليب الأمنية البوليسية في التعامل مع المواطنين.
أوضح المحامي أقبيق الفرق الجوهري بين الثورة والانقلاب العسكري، مشيراً إلى أن الثورة تحمل رؤية مستقبلية وتطلعات شعبية، بينما يقتصر الانقلاب على سيطرة فئة عسكرية على الحكم دون رؤية وطنية شاملة. وأضاف أن الثورة السورية تمتلك الشرعية الشعبية التي تتطلع إلى المستقبل وتعمل على بناء عقد اجتماعي جديد عبر دستور يعبر عن إرادة الشعب.
كما تناول أقبيق مفهوم الهيئات الوطنية، موضحاً أنها أوسع نطاقاً من الوزارات التقليدية، حيث تضم ممثلين عن عدة وزارات كالعدل والداخلية والشؤون الاجتماعية. واعتبر أن تشكيل هذه الهيئات جاء استجابة للمطلب الجماهيري بعد سنوات من الانتهاكات الجسيمة التي تعرض لها الشعب السوري، والتي يصعب وصف حجمها وآثارها.
فيما يخص العدالة الانتقالية، أشار أقبيق إلى أنها تشمل عدة مبادئ أساسية كالعدالة التصالحية التي طبقت بنجاح في جنوب أفريقيا، والتي تهدف لمنع الأعمال الثأرية عبر محاكمة مرتكبي الجرائم الجسيمة مع الحفاظ على السلم الأهلي. ونوه إلى التمييز القانوني بين المخالفات العادية والمخالفات الجسيمة التي تصنف كجرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية وفقاً لاتفاقيات جنيف ولاهاي.
أكد أقبيق أن تشكيل الهيئات يهدف لترسيخ السلم الأهلي وتحقيق التوافق بين جميع مكونات المجتمع السوري، مع ضمان حصول كل فرد على حقوقه، بما في ذلك تعويض المتضررين. ورغم تأخر صدور المرسوم، إلا أن أقبيق اعتبر أن “المتأخر خير من الذي لا يأتي”، مشيراً إلى أهمية الدراسة المتأنية لضمان إنصاف جميع الأطراف.
في إجابته عن سؤال حول المفهوم القانوني للهيئات، أوضح أقبيق أن عملها يشبه دور النيابة العامة في كشف المجرمين وجمع الأدلة، لكن المحاكمة الفعلية تبقى من اختصاص القضاء العادي المستقل، مؤكداً مبدأ فصل السلطات. وأشار إلى أن الهيئة تمثل السلطة التنفيذية بينما تختص السلطة القضائية بالمحاكمات، معتبراً أن هذا النهج يتفق مع اتفاقية قمع الإخفاء القسري.
عند مناقشة تجارب العدالة الانتقالية عالمياً، استعرض أقبيق نماذج يوغسلافيا ورواندا وسيراليون، مؤكداً أن سورية لا تحتاج لمحاكم دولية أو غرف قضائية مختلطة كما في قضية الحريري أو كمبوديا. وبرر ذلك بأن سورية تمتلك المؤسسات القضائية القادرة على محاكمة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية دون انتقاص من سيادتها الوطنية.
كما تطرق أقبيق إلى ضرورة إصلاح السلطة القضائية وتحريرها من هيمنة السلطة التنفيذية، مع إلغاء المحاكم الاستثنائية التي كانت تشكل انتهاكاً لمبدأ استقلال القضاء. وأكد أن القضاة السوريين بشكل عام يتمتعون بالنزاهة والكفاءة، لكنهم بحاجة لدعم مؤسسي لتمكينهم من أداء دورهم كاملاً في تحقيق العدالة.
ختاماً، شدد أقبيق على أن العدالة الانتقالية تختلف عن الإصلاح الإداري، وأنها تختص بمحاسبة مرتكبي الجرائم الجسيمة خلال سنوات الأزمة. وأعرب عن تفاؤله بأن هذه الخطوات القانونية المدروسة ستعيد تماسك المجتمع السوري وتعيد البلاد إلى دورها الإقليمي والدولي، مع توفير المناخ المناسب للاستثمار والنمو الاقتصادي، تحقيقاً لتطلعات الثورة السورية نحو مستقبل أفضل.