التنافس الدولي الحاد على ليبيا يشتد وبخاصة بين روسيا من جهة وبين تركيا وحلف الناتو من جهة أخرى. ولا يمكن عزل الأحداث الأخيرة في ليبيا عن هذا الصراع. الذي يؤكد أن توقعات الروس ونظرتهم للواقع في ليبيا باعتبار ما يجري حربا على الارهاب يمنح موسكو في خضم الصراع الدولي في سورية وأوكرانيا. والشرق الأوسط فرصة لإثبات وجودها وحرصها على وحدة ليبيا المقسمة عمليا إلى ثلاثة أقاليم هي طرابلس وبنغازي ومصراتة….
ولم تكن الاشتباكات العنيفة التي عاشتها العاصمة الليبية طرابلس بين فصيلين كبيرين سوى مشهدا من مشاهد الصراع الدولي المحموم…
ولم تتمكن حكومة عبد الحميد الدبيبة المدعومة من تركيا من فرض سيطرتها على الفصائل المسلحة خلال العامين الماضيين. لتأتي حادثة مقتل عبد الغني الككلي قائد جهاز دعم الاستقرار التي أصدر الدبيبة قرارا بحلها. لتشعل النار في الهشيم. فإذا بهذا القرار يعيد ليبيا إلى الحرب من جديد.
التنافس الدولي عاد واطلع بوجهه بين مصر التي ترتبط بليبيا بحدود برية طويلة ولديها فوبيا حقيقية من حزب الاخوان المسلمين. وهي تقف إلى جانب وحدة ليبيا وتدعم وحدتها واستقرارها وتتخوف من سيطرة الاخوان المسلمين والفصائل الارهابية في مصراتة وطرابلس العاصمة على البلاد التي لا تزال تتقاسمها ثلاثة قوى رئيسية. ففي العاصمة يسيطر الاخوان بدعم تركي ودعم دولي لحكومة الدبيبة التي تعتمد على الفصائل التي غالبا ما تجد نفسها في تناحر مستمر. فيما لا تزال مناطق غرب ليبيا ومصراتة تحت سيطرة الفصائل الأكثر تطرفا ومنها تنظيم داعش الارهابي. بينما أحكم الجيش الليبي المدعوم من روسيا السيطرة على شرق البلاد حيث يتخذ الجيش من بنغازي مقرا له بقيادة اللواء خليفة حفتر قائد الجيش الليبي الذي تعهد بتوحيد البلاد ومحاربة الارهاب. ويحظى اللواء حفتر بدعم كبير من روسيا ومصر. فيما تحاول الدول الأوروبية والولايات المتحدة المحافظة على نفوذها عبر تغذية الفوضى ودعم مسار برلين الذي أثبتت الأيام الماضية أن هذا المسار لن يعيد الأمن والأمان والاستقرار إلى ليبيا. ويتحول إلى مسار يسعى للمحافظة على الوضع الحالي غير المستقر لكي لا تتصادم مصالح الدول وبخاصة الدول الأوروبية الكبيرة كإيطاليا التي تدعم حكومة الدبيبة بقوة وفرنسا وألمانيا. حيث يطمح هؤلاء مع دول أخرى في الناتو كتركيا والولايات المتحدة إلى الحصول على حصص من الكعكة الليبية. باعتبار ليبيا بعد الغزو الأطلسي باتت مهيأة وهي تعوم على بحر من النفط والغاز.
وكانت الاشتباكات الأخيرة في طرابلس بين قوات الدرع كما يسمونها وبين قوات اللواء 444 إشارة إلى أن الاتفاقيات والاجتماعات التي أسفرت عنها لقاءات برلين. لن تؤدي إلى توحيد ليبيا طالما أن هناك جهات دولية تراهن على الفصائل الارهابية. لتحقيق مصالحها منذ الغزو الأطلسي لهذا البلد عام 2011 عندما هاجمت فرنسا وبريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة ليبيا. واسقطت حكمه فيما وقفت روسيا حينها على الحياد بعد أن مررت الدول الغربية قرارا من مجلس الأمن بحجة حماية المدنيين ضد نظام معمر القذافي….
الخارطة السياسية في ليبيا بعد فشل إجراء انتخابات بسبب الصراعات والانقسامات ووجود ثلاث كيانات منفصلة عمليا في طرابلس وبنغازي ومصراتة. وكل كيان يحظى بدعم دولي. حيث تبدو روسيا في ظل التنافس بين مصر وتركيا. والدول الغربية في موقف قوي. وهي تقدم الدعم للجيش الليبي الذي يحارب الارهاب وتنظيم داعش وهو مدعوم من مجلس النواب المنتخب الذي يقوده عقيلة صالح…..
يستغل الغرب وتركيا الأوضاع في ليبيا ويعتقد الساسة والمحللون الغربيون والأتراك بأن ما حصل في سورية يمكن أن يتكرر في ليبيا. ولهذا تحاول تركيا توسيع نفوذها في ليبيا بعد أن وجدت أن القوى الدولية الداخلة في الصراع على سورية لن تسمح لها بتجاوز حجمها الطبيعي كقوة اقليمية. فيما يسعى الأمريكيون بقيادة ترامب إلى إعادة توزيع مناطق النفوذ واستثمار الفوضى التي يطلقون عليها الفوضى الخلاقة لاستعادة الهيمنة الأمريكية على المنطقة وتقاسم النفوذ مع روسيا في منطقة الصحراء الأفريقية بعد أن تقلص النفوذ الفرنسي بعد الغزو الأطلسي لليبيا.
الدعوات لتوحيد ليبيا جيدة ومفيدة ولكنها في الواقع تشير إلى أن أحدا من الدول المنافسة لن تتراجع عن أهدافها. وبخاصة تركيا وروسيا في طرابلس وبنغازي. وربما تكون المفاوضات الأمريكية التركية حول سورية. لا تنفصل عن محاولات إعادة ترتيب الخرائط الجيوسياسية في المنطقة بعد الزلزال السوري. حيث أعلنت حكومة عبد الحميد الدبيبة إعادة فتح سفارتها في دمشق. بعد أن كانت سورية خلال فترة النظام السابق تقف إلى جانب خليفة حفتر شرق ليبيا مع روسيا ولكن التحولات الكبرى في العالم مترابطة ولا يمكن فصل ما يحصل في ليبيا عما يحصل في منطقة الشرق الأوسط وإيران وأوكرانيا. وصولا إلى الحرب الاقتصادية بين واشنطن وبكين.
مهما اشتدت المعارك. فإنه لا يزال للجيش الليبي المدعوم من روسيا ومصر اليد الطولى فيما تسعى تركيا لتوسيع نفوذها بالتعاون مع الولايات المتحدة. التي تتحرك على اتجاهات عديدة في المنطقة من سورية إلى ليبيا إلى إيران. وصولا إلى أوكرانيا لحصد نتائج دعمها للارهاب طوال العقود الماضية منذ أحداث الحادي عشر من أيلول وهي الأحداث التي غيرت شكل العالم وكانت الدول العربية سورية وليبيا واليمن والعراق إحدى أكبر ضحايا ما يسمى الحرب الأمريكية على الارهاب.
تثبت روسيا من جديد أنها قادرة على محاربة الارهاب فيما يواصل الغرب عبر البوابة الليبية اللعب بالنار لإعادة إشعال المنطقة. وتعويم الارهاب وشرعنته كما يحصل في ليبيا والرهان على التوافق التركي الروسي إذ كلا الجانبين لديه نفوذ واسع على الساحة الليبية الملتهبة.