سوريا على المسار الصحيح لتحقيق أهدافها في السلام والاستقرار والإعمار وسط توازنات إقليمية ودولية نجحت حكومة الشرعية في تحقيقها حتى الآن
تتسارع الأحداث والتحولات الداخلية والخارجية في سوريا وحولها بعد قرار الخزانة الأمريكية رفع العقوبات المفروضة على سوريا لمدة 180 يوماً والسماح بالمعاملات مع دمشق ورفع القيود عن الوزارات والشركات وإعادة سوريا إلى نظام سويفت المالي… قرار تعاملت معه الحكومة السورية بفرح وابتهاج باعتباره إنجازاً تاريخياً، واعتبرته خطوة هامة لاستعادة الأمن والاستقرار واستعادة ثقة المجتمع الدولي.. وقام الرئيس بزيارتين إلى الشمال، خارجية إلى تركيا والتقى نظيره التركي في إسطنبول، كما زار مدينة حلب وألقى فيها كلمة أعلن فيها نهاية المعركة مع الطغاة وبدء المعركة ضد الفقر.
وكان لافتاً خلال زيارة الرئيس الشرع إلى تركيا لقاؤه مع مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى سوريا وهو سفير أمريكا لدى أنقرة توماس باراك الذي زار دمشق بعد أيام من القمة السورية التركية والتقى في دمشق الرئيس الشرع في إشارة إلى أن واشنطن بدأت تتعاطى مع سوريا وموضوع رفع العقوبات عنها كفرصة للاستثمار وتحقيق المصلحة الأمريكية والإسرائيلية في مواجهة القوى الدولية العديدة كالصين وروسيا وحتى أوروبا. الحليف التقليدي لواشنطن بات ينظر بقلق وريبة إلى تعاظم الدور الأمريكي في المنطقة بعد زيارة ترامب لدول الخليج العربي وحصوله على ثلاثة تريليونات من الدولارات، وقد عزا ترامب التحول الأمريكي تجاه سوريا إلى الضمانات التي قدمتها كل من السعودية وتركيا ككفلاء للحكومة السورية برئاسة الشرع. مع أن المصالح الأمريكية تتعارض مع التوجهات التركية وتتعارض مصالح الدولتين العضوين في الناتو. غير أن أمريكا تقف إلى جانب السعودية في المنافسة الدائرة بين الرياض وأنقرة بشأن سوريا..
وفي الصورة الكلية للمشهد السوري فإن واشنطن بدأت تقيم علاقات قوية مع ثلاثة من القوى الإقليمية هي إسرائيل وتركيا والسعودية وتجري مفاوضات بناءة مع إيران حول برنامجها النووي. وكان سقوط نظام الأسد في سوريا بمثابة انطلاق مرحلة جديدة من التعاطي الأمريكي مع المنطقة وليس مع سوريا فقط…؟
ومهما يكن من أمر فإن العلاقات بين إدارة ترامب وكل من تل أبيب وأنقرة والرياض انسحبت بشكل تلقائي على العلاقات الأمريكية-السورية التي بقيت لعقود علاقات متوترة قبل أن تعلن إدارة ترامب رفع العقوبات المفروضة على سوريا ورفع اسم الرئيس السوري أحمد الشرع ووزير خارجيته أنس خطاب من قائمة العقوبات بالتزامن مع تعيين توماس باراك مبعوثاً خاصاً للرئيس ترامب إلى سوريا.. ومع أن تعيين السفير باراك له معانٍ وإشارة إلى وحدة المصالح الأمريكية والتركية في سوريا إلا أن الواقع عكس ذلك والصدام بين الجانبين حتمي في المستقبل…..
ويبدو أن الرسالة الأمريكية من تعيين توماس باراك مبعوثاً في سوريا بما يملك من خبرة عميقة بالمنطقة وخاصة في سوريا لهو دليل على أن واشنطن تريد أن تعطي فرصة لسوريا لتنعم بالسلام دون أن تمكن تركيا من تحقيق مطامعها وأهدافها في سوريا. حيث يعمل هذا المبعوث الأمريكي على تحقيق توازن بين القوى الإقليمية مع إعطاء المصالح الأمريكية الأولوية. مع أن ما يحدث على أرض الواقع يشير إلى أن تركيا تحاول أن تستفرد بحكومة الشرع وتهيمن عليها وتفرض الوصاية على حكومة دمشق التي استطاعت أن تخلق نوعاً من التوازن ليس بين القوى الإقليمية وبخاصة بين الرياض وأنقرة وإنما بين القوى الدولية أيضاً. وهنا يبرز بوضوح الدور الروسي الذي عاد إلى الواجهة بعد اللقاءات التي شهدتها تركيا حول أوكرانيا وبعد زيارة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى موسكو ولقائه مع الرئيس بوتين ونظيره الروسي سيرغي لافروف حيث شكل الوضع في سوريا وقضية النفوذ والوجود الروسي في سوريا بالإضافة إلى الأزمة الأوكرانية جوهر المباحثات الهامة التي أجراها الوزير التركي في موسكو والتي جاءت بعد القمة السورية التركية في إسطنبول حيث أكد الجانبان على وحدة سوريا وضرورة تحقيق الاستقرار لما فيه مصلحة للجميع. ومع أن تركيا تتصرف من منطق المنتصر في سوريا ومن منطق الوصي على حكومة الشرع إلا أن الأوراق التي تمتلكها روسيا في سوريا رغم سقوط نظام الأسد لا تزال وازنة وهامة. فلا أحد يستطيع محو التاريخ ودمشق وموسكو ترتبطان بعلاقات تاريخية عميقة وهو ما أقرته حكومة الشرع كما أن الوزير لافروف حرص خلال المؤتمر الصحفي مع نظيره التركي هاكان فيدان على التذكير بالدعوة التي وجهها لنظيره السوري أسعد الشيباني لزيارة موسكو حتى قبل رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا.. ومهما بلغت العلاقات بين دمشق وأنقرة فإن دور سوريا الجديد في المنطقة يمنحها فرصة للعب دور متوازن بين دول المنطقة وأي ميل إلى جانب تركيا سيكون على حساب العلاقات السورية مع السعودية والإمارات. وهذا هو الرهان الحقيقي لحكومة الشرع بمدى قدرتها على تحقيق التوازن لمنع انزلاق سوريا من جديد في سياسة المحاور التي أدت إلى تدميرها وتشريد شعبها…..
ومع الحديث عن نية الحكومة السورية بناء برج في دمشق يحمل اسم ترامب وإجراء مفاوضات مع إسرائيل فإن الدائرة تكتمل وتتضح صورة التحالفات وموقع سوريا الجديد فيها حيث تحاول واشنطن تغيير كل شيء في هذا البلد وتشكيله من جديد مستغلة الظروف المعقدة وضعف إمكانات الحكومة السورية في كل المجالات. ورغم أن الولايات المتحدة وإسرائيل لعبتا دوراً في إسقاط النظام السابق إلا أن إدارة ترامب تحاول إخفاء هذه الحقيقة لتخفيف الصراع واستخدام نفوذها ونفوذ حلفائها لإبعاد الصين وروسيا عن سوريا واستغلال الموارد والثروات السورية وتوزيع الأدوار الجديدة. فتركيا تحاول أن تلعب دور الوصاية على الحكومة السورية سياسياً مع أن الخلافات عميقة بين الرياض وأنقرة حول سوريا بسبب مخاوف السعودية من الإسلام السياسي ومن تصدير الثورة. إلا أن المايسترو الأمريكي تعهد على ما يبدو بضبط إيقاع اللعبة بين القوى الإقليمية الثلاثة إسرائيل والسعودية وتركيا ولهذا حاول ترامب أن يظهر خلافاته مع نتنياهو خلال الاجتماعات الأمريكية التركية في أنقرة والاجتماعات الأمريكية السعودية في الرياض رغم أن الجميع يعرف العلاقة الحميمة بينهما حيث يتفرج الجميع على المشهد الدموي في غزة دون أن يحرك ساكناً…؟
وفي قلب المشهد السياسي المعقد في المنطقة تبدو سوريا والرئيس الشرع في دائرة الضوء. والجميع ينتظر كيف تستغل الحكومة السورية الفرص التي أتاحها رفع العقوبات والانفتاح العربي والدعم التركي من أجل المضي بإعادة الأمن والاستقرار ليس إلى سوريا فحسب بل إلى المنطقة بأسرها..
التغيرات الدراماتيكية على الصعيد الخارجي والانفتاح الدولي والإقليمي ورفع العقوبات ترافقت مع تحولات داخلية لا تقل أهمية عن التحولات الخارجية حيث أعادت حكومة الشرع الهيكلية التنظيمية لوزارتي الداخلية والدفاع وذلك بناء على متطلبات المرحلة وبما يراعي المخاوف الدولية من وجود عناصر أجنبية منفلتة في الوزارتين.
وفي هذا المجال، أجمل المتحدث باسم وزارة الداخلية نور الدين البابا هذه التغيرات في الهيكلية التنظيمية الجديدة مشيراً إلى أن الهدف منها الارتقاء إلى حالة أكثر تنظيماً وإنتاجية بما يتناسب مع التضحيات التي قدمها الشعب السوري.
والسؤال: هل يحقق الشرع الحلم للسوريين أم أن ما يحصل مجرد لعبة دولية وتقطيع للوقت قد تستمر لسنوات دون أن يتغير شيء على أرض الواقع؟