العلاقات السورية – الخليجية ركيزة أساسية من ركائز السياسة الخارجية لحكومة دمشق.. والتوازن بين مصالح دول الخليج وتركيا في سورية يحتاج إلى ميزان من ذهب …
لم يكن انتصار الثورة السورية انتصارا للشعب السوري فحسب بل كان انتصارا لمن دعم هذا الشعب على مدار أربعة عشر عاما. وكانت دول الخليج في مقدمة الدول التي دعمت ثورة الشعب السوري ضد نظام بشار الأسد لحين انتصار الثورة في الثامن من كانون الأول الماضي حيث احتفل الخليج وبخاصة قطر والسعودية مع السوريين وقدموا الدعم لهم ولحكومتهم الجديدة بقيادة أحمد الشرع.
الصورة التي ترسخت في أذهان المشاهد العربي على محاور السياسة والاقتصاد بعد ستة أشهر من سقوط نظام الأسد واستلام الرئيس أحمد الشرع مقاليد الحكم في سورية تظهر اشتراك دول الخليج مجتمعة مع سورية في كل شيء. فالرئيس الشرع يزور دول الخليج وسط مظاهر احتفالية واستقبالات حافلة كما حدث أخيرا في الكويت حيث التقى الرئيس الشرع في الثلاثين من أيار الماضي مع أمير الكويت مشعل الجابر الصباح وجاءت الزيارة بعد زيارة الشرع إلى كل من السعودية وقطر والإمارات والبحرين.
وكان لافتا المساحة التي خصصها المجلس الوزاري الخليجي خلال اجتماعاته واهتمامه الكبير بتطورات الأحداث في سورية حيث أصدر بيانا أكد خلاله احترام سيادة سوريا ووحدة أراضيها، ورفض دول مجلس التعاون الخليجي التدخلات الأجنبية في شؤون سورية الداخلية.
البيان يسجل كيف فتحت دول الخليج بجهودها المنسقة والصادقة أبوابا جديدة أمام سورية عندما سددت السعودية وقطر في نيويورك متأخرات سورية للبنك الدولي، وعندما طلبت السعودية من الرئيس الأمريكي رفع العقوبات عن سورية لتسريع تعافيها الاقتصادي. فجاءت القمة السورية الأمريكية في الرياض تتويجا وثمرة لهذا التعاون والثقة التي كشف عنها البيان الخليجي الذي أكد على سيادة سورية واستقلالها ووحدة أراضيها معربا عن رفضه التدخلات الأجنبية في شؤونها الداخلية وعن دعمه لجهود الجامعة العربية والدول الشقيقة في مساعدة الشعب السوري ولجهود الأمم المتحدة ومبعوثها الخاص لسورية.
يسجل تاريخ العلاقات السورية مع دول مجلس التعاون الخليجي منذ لحظة الانتصار والتحرير انتعاشة جديدة تستند على الإرث التاريخي الذي يجمع الشعب السوري مع دول الخليج بعد أربعة عشر عاما من الدعم المستمر للثورة السورية…
هذه الثورة التي تخط اليوم بقيادة الرئيس الشرع مسارا متألقا للعلاقات السورية الخليجية لتكون هذه العلاقات سندا لتعافي سورية الاقتصادي ودعامة أساسية من دعائم سياساتها الخارجية وأمنها القومي.. كما ترسم هذه العلاقات السورية مع دول الخليج العربي آفاقا جديدة للتعاون والتكامل على محاور السياسة والاقتصاد والاستثمارات وتفتح صفحات الذاكرة المشتركة ملامح المرحلة القادمة بعد أن غابت لعقود..
ولا شك أن زيارات الرئيس الشرع إلى كل من السعودية والإمارات وقطر والبحرين والكويت منذ تسلمه مقاليد الحكم قبل ستة أشهر توثق بالصورة والصوت والعمل هذه العلاقات الحميمة وهذا الدعم الخليجي الشامل وهذه الانتعاشة للعلاقات السورية الخليجية التي تعد ركيزة أساسية من ركائز الأمن والاستقرار في المنطقة كما جاء في البيان الوزاري لمجلس التعاون الخليجي في دورته الرابعة والستين بعد المائة….
ولكن رغم الدعم المالي والاقتصادي الخليجي فإن ثمة أسئلة كثيرة لا تزال بحاجة إلى إجابات وهي لماذا يدعم الخليج سورية وما هي المصالح التي ستحققها دول الخليج من دعم حكومة الشرع.. وهل هذا الدعم ذاتي أم أنه بتشجيع أمريكي وغربي وإسرائيلي.. ولماذا يلمس المراقب هذه النقلة إن صح التعبير وهذا التنافس بين السعودية على وجه التحديد وبين تركيا بكل ما يتعلق بسورية.. وهل ستبقى قطر أقرب إلى تركيا أم أن السعودية حسمت الموقف من زيارة الرئيس ترامب وأكدت حضورها على الساحة السورية. مع أن الحضور التركي في كل مفاصل المؤسسات والدولة في سورية ومع الوجود العسكري التركي على الأرض فإن كفة تركيا تبقى راجحة إلا أن احتمالات التغيير في تركيا أكبر منها في دول الخليج. وربما إعلان الرئيس التركي عن عدم رغبته في الترشح للانتخابات القادمة في العام 2028 والضغوط الغربية بشأن ضرورة إبعاد العناصر الأجنبية في سورية إلى خارج وزارة الدفاع يشكل ضغطا على تركيا نفسها ويحقق المطالب الخليجية التي تدعم حكومة الشرع بلا حدود بعد قرار ترامب رفع العقوبات عن حكومة دمشق وافتتاح السفارة الأمريكية في دمشق وتعيين توماس باراك مبعوثا شخصيا للرئيس ترامب إلى سورية. وكلها خطوات تدعم الموقف الخليجي على حساب مصالح تركيا التي كانت تأمل باستثمارات ضخمة للغاز في المتوسط بعد الاكتشافات الغازية في سورية. إلا أن دخول القوى العظمى وبخاصة الولايات المتحدة وروسيا والدول الأوروبية بالإضافة إلى الموقف الإسرائيلي الذي يعارض الدور التركي في سورية سيضع حكومة الشرع في نهاية المطاف أمام خيارات صعبة لأن تحقيق التوازن بين هذه القوى ليس بالأمر السهل. فالتوازن في المصالح بين تركيا ودول الخليج في سورية يحتاج إلى ميزان من ذهب.