التفجير الإرهابي الذي وقع في منطقة الدويلعة المختلطة والتي تعد نموذجاً لحياة السوريين بكل مكوناتهم، فالحي يقطنه مسلمون وأكراد وأرمن ومسيحيون ولا يوجد في المنطقة أي مظهر من مظاهر التطرف وإنما الناس يعيشون جنباً إلى جنب إخوة متضامنين في كل شيء.. ولذلك فإن اختيار حي الدويلعة الشعبي بأبنائه وسكانه لتنفيذ عمل إرهابي كبير بهذه البشاعة والحقد لم يكن بريئاً بل كان مقصوداً، ليس من أجل قتل وترهيب الناس البسطاء والمصلين في كنيسة مار إلياس فحسب وقتلهم وسفك دمائهم بوحشية بإطلاق النار عليهم ومن ثم تفجير الانتحاري نفسه ليقتل أكبر عدد من الضحايا وإنما كان المقصود هو ضرب النسيج الوطني السوري وترهيب الأقليات مع أن مصطلح الأقلية والأكثرية لم تكن موجودة في القاموس السياسي السوري وإنما يروجها الإرهابيون والقتلة الذين ينشرون الأكاذيب والتضليل ويستخدمون تنظيم داعش وسيلة لخلق البلبلة والفوضى والخوف بين السوريين تحت عناوين جديدة تتعلق بطريقة الحكم مثل اللامركزية والكونفدرالية والحكم الذاتي فيتم تقسيم سورية إلى أقسام وكيانات في الشرق والساحل والجنوب ودمشق وحلب بالتوازي مع التحذيرات من موجات جديدة من التفجيرات يحضر لها تنظيم داعش الإرهابي والحديث عن اتفاقات إبراهيمية بين سورية والكيان الصهيوني وأيضاً ارتفاع منسوب الحديث الطائفي بين السوريين مع العلم أن الوثائق الرسمية ووسائل الإعلام تحذر من أي طروحات طائفية الهدف منها ضرب وحدة سورية ولحمتها الوطنية.
الانقسامات الأفقية والعامودية في سورية كشفت بعد التفجير الإرهابي في كنيسة مار إلياس بالدويلعة بدمشق عن ثلاث روايات مختلفة فالرواية الرسمية والموثقة وجهت أصابع الاتهام لتنظيم داعش الإرهابي وقامت قوات الجيش والأمن بعملية مشتركة بناء على المعلومات الاستخباراتية في حرستا وكفر بطنا بريف دمشق.
أما الرواية التي يمكن أن نسميها شعبية تم خلالها توجيه الاتهام مباشرة إلى جهات في السلطة وتكذيب الرواية الرسمية، عبر القول إن الانتحاري الذي هاجم المصلين في الكنيسة كان معروفاً قبل ذلك لأبناء المنطقة وتم الإبلاغ عنه. أما الطامة الكبرى فجاءت من البيان الذي نشرته قسد وقوات سورية الديمقراطية والذي يحمل بذور الفرقة والفوضى من خلال محاولة قسد نسف الرواية الرسمية بتحميل داعش المسؤولية، وحاولت قسد أن تستخدم المعطيات التي بحوزتها وزعمت في بيان لها بعد أيام من التفجير أن ادعاءات الناطق باسم الداخلية وأعلانه أن الانتحاريين اللذين استهدفا كنيسة مار إلياس قدما من مخيم الهول غير صحيحة.. وأشارت إلى أن قوات سورية الديمقراطية لم تسجل مغادرة أي شخص من مخيم الهول سوى الأشخاص الذين غادروا إلى الداخل السوري وأشارت إلى أن الذين غادروا مخيم الهول سوريون وليسوا أجانب وهذه الرواية تناقض كلياً الرواية الرسمية التي تؤكد أن قوات الأمن تواصل عمليات البحث وملاحقة خلايا التنظيمات الإرهابية.
ويبدو أن بيان قسد ومحاولات تنظيم داعش تهديد الأمن والاستقرار في البلاد وعودة الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية بعد وقف إطلاق النار مع إيران بعد حرب استغرقت 12 يوماً، كلها مؤشرات على أن محاولات ضرب الاستقرار في سورية لا يزال هدفاً للكثير من الأطراف والجهات المغرضة بعد النجاحات التي حققتها الحكومة السورية سياسياً عبر الانفتاح على العالم ورفع العقوبات واقتصادياً عبر زيادة رواتب القطاع العام 200 بالمئة، وعسكرياً من خلال الإلقاء القبض على الخلية التي وقفت وراء تفجير الدويلعة الإرهابي وإعلان الحكومة عزمها الأكيد على الضرب بيد من حديد لكل التنظيمات الإرهابية وبخاصة تنظيم داعش. وملاحقة تنظيم أنصار السنة الذي يضم العشرات والذي زعم أيضاً من جانبه المسؤولية عن تفجير كنيسة مار إلياس وذكر اسم الانتحاري إلا أنه من الواضح أن هذه الروايات هدفها الإرباك وتوسيع الفوضى والتشكيك بقدرة الأجهزة الأمنية والجيش وأنه في النهاية لا يصح إلا الصحيح ولن يكون لكل محاولات التشويش والعبث بأمن سورية جدوى طالما أن القرار بالحسم والمواجهة مع تنظيم داعش الإرهابي قد تم اتخاذه على أعلى المستويات وبدعم عربي ودولي..