في ظل التطورات المتسارعة على الساحة السورية، برزت زيارة وزير الخارجية أسعد الشيباني ووزير الدفاع ماهر الشرع إلى موسكو كواحد من أهم المحطات الدبلوماسية التي قد تحدد ملامح المرحلة المقبلة، متجاوزة في أهميتها حتى الملفات الإقليمية الملحة مثل التصعيد على الحدود اللبنانية أو التحركات التركية في شمال سوريا. وفي حديث خاص لشبكة شام نيوز إنفو على إذاعة فيرجن إف إم مع الإعلامي علي جمالو، مدير مجموعة الإعلام المستقلة، تم تحليل هذه الزيارة وأبعادها الاستراتيجية، سواء على المستوى الثنائي أو في إطار الصراعات الإقليمية والدولية الأوسع.
يرى جمالو أن هذه الزيارة تمثل لحظة فارقة في سياسة الإدارة السورية الجديدة، التي تعيد ترتيب أولوياتها بعيدا عن العواطف والذكريات المؤلمة، مع التركيز على المصالح الاستراتيجية. فبينما لا يزال الجرح الروسي عميقا في الذاكرة السورية، خاصة بعد التدخل العسكري المباشر عام 2015 وما تلاه من عمليات قمع دموية، إلا أن دمشق تتعامل اليوم مع موسكو كشريك ضروري في مرحلة إعادة الإعمار والاستقرار. ويشير إلى أن 80% من الاتفاقيات الموقعة في السنوات الماضية تحتاج إلى مراجعة، بدءا من القواعد العسكرية في حميميم وطرطوس، ووصولا إلى عقود النفط والغاز وحقول الفوسفات، والتي تهيمن عليها الشركات الروسية.
على الصعيد الإقليمي، يكشف التحليل أن روسيا تسعى لتعزيز نفوذها في سوريا كبديل للإيرانيين، الذين أصبحوا عبئا على المشهد السوري بسبب سياساتهم التدميرية. ويؤكد جمالو أن الشارع السوري قد يتقبل حوارا متوازنا مع موسكو، لكنه يرفض أي تقارب مع طهران، التي ينظر إليها كطرف دموي دمر كل بلد دخلته، من العراق إلى اليمن ولبنان. كما يحذر من المحاولات الإيرانية المستمرة لتعطيل أي تقدم سوري-روسي عبر حملات التضليل الإعلامي واستخدام الحسابات المزورة لنشر الفوضى.
أما دوليا، فتأتي الزيارة في إطار سعي سوريا لتحقيق توازن دبلوماسي يسمح لها بالانفتاح على الغرب والعرب دون قطع جسورها مع موسكو. ويشير جمالو إلى أن الإدارة السورية الجديدة تحظى بدعم عربي واضح، خاصة من السعودية والإمارات، بينما تبدو الدول الأوروبية أكثر تحفظا، رغم الزيارات الأخيرة لمسؤولين ألمان وفرنسيين إلى دمشق. كما يتوقع أن تلي هذه الزيارة تحركات أخرى نحو الصين، تمهيدا للمشاركة التاريخية للرئيس السوري في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، والتي ستكون أول ظهور علني لرئيس سوري على هذا المنبر منذ عقود.
ختاما، يؤكد جمالو أن نجاح هذه المرحلة يتوقف على قدرة سوريا على إعادة صياغة علاقتها مع روسيا دون إغفال الثمن الباهظ الذي دفعه الشعب السوري، مع ضرورة وضع حد للتدخلات الإيرانية المدمرة. ويبقى السؤال الأكبر: هل ستتمكن سوريا من تحويل هذه الزيارة إلى نقطة انطلاق لسياسة خارجية أكثر توازنا، أم ستظل رهينة الصراعات بين القوى الكبرى؟ الإجابة على هذا السؤال ستحدد ليس فقط مستقبل سوريا، بل أيضا توازن القوى في المنطقة بأكملها.