في خضم المرحلة الانتقالية الدقيقة التي تعيشها سوريا، تبرز المفاوضات مع إسرائيل كأحد أكثر الملفات تعقيداً وإثارة للجدل، حيث تجتمع عوامل الضغط الدولي والضرورات الاقتصادية مع متطلبات الحفاظ على السيادة الوطنية. وفي حوار مطول لشبكة شام نيوز إنفو مع الأستاذ محمود مرعي على هواء إذاعة فيرجن إف إم، عضو الهيئة الرئاسية للتحالف الوطني الديمقراطي السوري، تم تسليط الضوء على جوانب عديدة من هذه المفاوضات التي ستحدد ملامح المرحلة القادمة.
يرى مرعي أن المفاوضات تواجه عقبات كبرى تتمثل في ما يسمى “الاتفاقيات الإبراهيمية” التي تفرضها واشنطن، والتي تتجاوز الجانب السياسي إلى شروط مثيرة للجدل تشمل الاعتراف بالديانات الثلاث كديانات متساوية وإنشاء معابد مشتركة، إضافة إلى حذف آيات الجهاد من المناهج التعليمية وتعديلها لتتوافق مع الرواية التاريخية “الإبراهيمية”. ويحذر من أن توقيع مثل هذه الاتفاقيات سيواجه رفضاً شديداً من فصائل جهادية عديدة داخل سوريا، كما أن السلطة الحالية نفسها تتحفظ على هذه الشروط التي تمس الهوية الوطنية.
ويكشف مرعي أن منطقة الجنوب السوري أصبحت فعلياً “منزوعة السلاح” بموجب تفاهمات غير مكتوبة، حيث تم إعلان منطقتي القنيطرة ودرعا والسويداء مناطق حظر طيران للطائرات السورية، في حين يتمتع العدو الإسرائيلي بحرية كاملة في التحليق والمراقبة. ويشير إلى أن هذا الوضع يشبه إلى حد كبير اتفاق كامب ديفيد الذي وقعه السادات، لكن مع فارق جوهري وهو أن سوريا لا تزال تعاني من احتلال الجولان وأراضٍ جديدة احتلتها إسرائيل بعد التحرير مثل جبل الشيخ ومرصد جبل الشيخ.
ويوضح مرعي أن التحدي الأكبر يتمثل في أن سوريا تواجه خيارات صعبة، فرفض التوقيع يعني استمرار العزلة الدولية والعقوبات الاقتصادية، بينما القبول يشكل خطراً على السيادة الوطنية. ويدعو إلى ضرورة أن تكون أي اتفاقية مستقبلية مرتبطة بشروط واضحة تضمن عودة الجولان والأراضي المحتلة حديثاً، وإعادة انتشار قوات الأمم المتحدة وفق اتفاقية فض الاشتباك لعام 1974.
على الصعيد الإقليمي، يحلل مرعي أن انسحاب إيران وحزب الله من سوريا مثل نصراً للتحالف الأمريكي الإسرائيلي، لكنه خلق فراغاً استراتيجياً تحاول روسيا ملئه عبر الحفاظ على وجودها في قواعد الساحل والقامشلي. ويشير إلى أن التوجه السعودي نحو توقيع اتفاق دفاع مشترك مع باكستان النووية يعكس فقدان الثقة بالحماية الأمريكية، خاصة بعد القصف الإسرائيلي للدوحة رغم وجود قواعد أمريكية فيها.
ويؤكد مرعي أن الوضع السوري الحالي يتطلب وحدة وطنية حقيقية تجمع كل مكونات الشعب السوري، مشيراً إلى أن التنوع السوري الذي يضم 3 ملايين كردي و3 ملايين علوي ومليون درزي ومسيحيين يجب أن يكون مصدر قوة وليس نقطة ضعف. ويدعو إلى بناء جيش وطني على غرار الجيش المصري الذي حافظ على تماسكه رغم التنوع الديني، حيث يضم مصر 10 إلى 15 مليون قبطي مسيحي لكن الهوية الوطنية المصرية بقيت قوية لم تستطع القوى الخارجية اختراقها.
ختاماً، يشدد مرعي على أن الخروج من الأزمة الحالية يتطلب عقد مؤتمر حوار وطني يضم ممثلي التنوع السوري كافة، للوصول إلى عقد اجتماعي جديد يحفظ حقوق الجميع. ويبقى السؤال الأكبر: هل ستتمكن سوريا من عبور هذه المرحلة الحرجة محافظة على وحدتها وسيادتها، أم أن ضغوط المرحلة ستجبرها على تقديم تنازلات تمس الهوية الوطنية؟ الإجابة على هذا السؤال ستحدد مصير الأجيال القادمة.