
في سياق التحولات الإقليمية والدولية المتسارعة، تبرز زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى السعودية للمشاركة في مؤتمر مستقبل الاستثمار كمحطة مفصلية في مسار إعادة الإعمار والتنمية، حيث تأتي هذه الزيارة في إطار سلسلة من التحولات الاستراتيجية التي تشهدها الساحة السورية على مستويات متعددة. وفي تحليل خاص عبر شبكة شام نيوز إنفو على إذاعة فيرجن إف إم، قدم المحلل السياسي حسام طالب قراءة شاملة للعلاقة الجدلية بين الاستقرار السياسي والاستثمار التنموي، مشيراً إلى أن تحقيق أحدهما مرهون بتحقق الآخر في معادلة لا تقبل الفصل، حيث لا يمكن للاستثمار أن يزهر في بيئة غير مستقرة، كما أن الاستقرار الحقيقي لا يمكن أن يستمر دون وجود مشاريع تنموية حقيقية تلامس حياة المواطنين وتوفر لهم متطلبات العيش الكريم.
يكشف طالب عن الأبعاد الاستراتيجية لزيارة الرئيس الشرع إلى الرياض، معتبراً إياها تأكيداً على أن الاستثمار لا يمكن أن يتحقق دون استقرار سياسي، وفي المقابل لا يمكن تحقيق الاستقرار دون استثمارات تنموية حقيقية. ويسجل أن المشاركة السورية في مؤتمر مستقبل الاستثمار تمثل رسالة ثقة للمجتمع الدولي بتحسن المناخ الاستثماري في سورية، وتأكيداً على عودة البلاد إلى خارطة الاقتصاد الإقليمي، حيث تشكل هذه المشاركة اعترافاً بأهمية سورية الاقتصادية وإمكانياتها التنموية الكبيرة، خاصة في ظل امتلاكها لمقومات اقتصادية متنوعة يمكن أن تشكل رافعة حقيقية لعملية إعادة الإعمار.
في التحليل الأمني، يسلط طالب الضوء على الوضع في محافظة حمص كنموذج للتعقيدات الأمنية في المرحلة الانتقالية، مشيراً إلى أن كل تقدم على المسار السياسي يقابله ظهور تحديات أمنية جديدة. ويكشف عن وجود تداخل بين العبث الداخلي والخارجي في المحافظة، حيث تعمل عصابات مدعومة من الخارج على زعزعة الأمن، بينما ترفض بعض الفصائل المحلية انتهاء دورها مع بدء عودة دور الدولة، مما يخلق بيئة من عدم الاستقرار تستدعي تعزيز الوجود الأمني والمؤسسي في هذه المناطق الحيوية.
يحلل طالب إشكالية رفض بعض الفصائل للاندماج في مؤسسات الدولة، مشيراً إلى أن الغالبية العظمى من هذه الفصائل قد انضمت إلى المشروع الوطني وعادت إلى الحياة المدنية، بينما ترفض أقلية التخلي عن أدوارها. ويسجل أن هذه الفصائل لا تستطيع الإعلان صراحة عن معارضتها للدولة، لكنها تعمل على عرقلة مسار الاستقرار من خلال استغلال الثغرات الأمنية، حيث تدرك أن تعزيز دور الدولة يعني نهاية وجودها ككيانات مستقلة، مما يدفعها للعمل على إطالة أمد الفوضى لضمان استمرار نفوذها.
في المحور الاقتصادي، يحذر طالب من استمرار الوضع الكارثي الناتج عن ارتفاع معدلات البطالة وغياب فرص العمل، مشيراً إلى أن حالة الفراغ المجتمعي تشكل بيئة خصبة لانتشار الخطابات الطائفية والمتطرفة. ويدعو إلى رفع العقوبات الاقتصادية وتشجيع الاستثمارات كمدخل أساسي لتحقيق الأمن والاستقرار، محذراً من أن استمرار الوضع الراهن قد يؤدي إلى مزيد من المعاناة الإنسانية، حيث أن الشعب السوري الذي عانى من ويلات الحرب لن يتحمل مزيداً من المعاناة الاقتصادية، مما قد يدفع ببعض فئاته للانخراط في أنشطة غير قانونية أو الانجرار وراء الخطابات المتطرفة.
ينتقل طالب لتحليل مؤتمر الأقليات الذي عقد في إسرائيل، معتبراً إياه محاولة فاشلة لاستغلال الأوضاع في سورية، مشيراً إلى أن إسرائيل نفسها تخلت عن دعم الانفصاليين في السويداء. ويكشف عن وجود تنسيق بين بعض الشخصيات الانفصالية وإسرائيل، لكنه يؤكد أن هذه المحاولات باءت بالفشل الذريع، حيث أن الشعب السوري بمختلف مكوناته أدرك حقيقة هذه المخططات ورفض أن يكون أداة في يد أعداء سورية، مما يجعل من هذه المؤتمرات مجرد محاولات يائسة لا تؤثر على الواقع السوري.
يتناول طالب التقدم في مفاوضات الاندماج مع قوات “قسد”، مسجلاً تقدماً ملموساً في الملفات العالقة، حيث تم تسليم قوائم بأسماء القادة والضباط المقرر دمجهم في الجيش السوري. ويشير إلى أن الاندماج الحقيقي يعني الخضوع الكامل للتراتبية العسكرية وليس مجرد الانضمام الشكلي، حيث أن الدولة السورية ترفض أي وجود لكتل مستقلة داخل الجيش، وتصر على أن يكون الاندماج شاملاً وكاملاً يحافظ على وحدة المؤسسة العسكرية وسيادة الدولة.
في المحور الإقليمي، يحلل طالب تطور الموقف التركي من الملف السوري، مشيراً إلى أن أنقرة آثرت التراجع عن الخيار العسكري احتراماً لإرادة الإدارة السورية. ويسجل أن مفهوم الأمن القومي المتبادل يفرض على دول الجوار مراعاة مصالح بعضها البعض، مع رفض أي تدخل في الشؤون الداخلية، حيث أن استقرار سورية ينعكس إيجاباً على جوارها الإقليمي، بينما يؤدي استمرار الأزمة إلى تداعيات سلبية على جميع دول المنطقة.
ختاماً، يرى طالب أن سورية تقف عند مفترق طرق حاسم، حيث تمثل زيارة الرئيس إلى السعودية مؤشراً على التوجه نحو الانفتاح الاقتصادي والإقليمي، لكن هذا التوجه يحتاج إلى بيئة أمنية مستقرة وتعزيز الثقة بين الدولة والمواطن، كما يتطلب معالجة جذرية للأوضاع الاقتصادية المتردية التي تشكل تربة خصبة للاضطرابات. ويبقى التحدي الأكبر في قدرة الدولة على تحقيق التوازن بين متطلبات الأمن وضرورات التنمية، في مسار متوازي يعيد بناء الدولة ويوفر الحياة الكريمة للمواطنين، مما سيمكن سورية من استعادة دورها الإقليمي ومواصلة مسيرة البناء والتعمير.

