
الرئيسان الشرع وترامب يعقدان قمة التغيير والتوازنات الدولية الجديدة ويبحثان في البيت الأبيض ملفات سياسية واقتصادية وأمنية أهمها إلغاء “قيصر” والحرب على الإرهاب… والعالم يترقب النتائج…
بالتوازي مع الإعلان رسمياً في كل من دمشق وواشنطن عن موعد زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى البيت الأبيض لعقد قمة مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتوقيع على اتفاق انضمام سورية إلى التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش، انطلقت عبر وسائل الإعلام حملة إعلامية واسعة للتشكيك بالزيارة ونتائجها والتأثير على ترتيباتها وما سيخرج عنها. مع الإشارة إلى الاهتمام الذي أبداه الرئيس ترامب وإدارته بالزيارة الأولى لرئيس سوري إلى واشنطن منذ 70 عاماً. فقد أعلن ترامب ومبعوثه إلى سورية توم باراك عن الزيارة، فيما وصف وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني في كلمة خلال “منتدى حوار المنامة 2025” زيارة الرئيس الشرع في العاشر من تشرين الثاني الجاري بالزيارة التاريخية.
وأكد الشيباني أن سورية ترغب في رفع العقوبات وفتح صفحة جديدة بين أمريكا وسوريا، وتريد أن تكون هناك شراكة قوية جداً بين أمريكا..
أما توم باراك المبعوث الأمريكي إلى سورية، فقد حدد أهداف الزيارة بالتوقيع في البيت الأبيض على اتفاق انضمام سورية إلى تحالف مكافحة تنظيم داعش، وما يترتب على هذا الانضمام من التزامات.
في موازاة ذلك، نقل موقع “أكسيوس” عن باراك تأكيده بأن زيارة الشرع المرتقبة إلى واشنطن ستليها جولة خامسة من المفاوضات المباشرة بين إسرائيل وسوريا بوساطة أمريكية… وأضاف: “إن المفاوضات المباشرة بين إسرائيل وسوريا تشكل محاولة للوصول إلى اتفاق أمني بشأن الحدود بين البلدين بحلول نهاية العام”.
ومع أن التصريحات تتوالى من جميع الأطراف حول زيارة الشرع إلى واشنطن، وسط اهتمام إعلامي محلي وعربي ودولي بكون الزيارة تشكل بداية مرحلة جديدة من العلاقات السورية الأمريكية، وهي الزيارة الثانية للولايات المتحدة خلال شهرين حيث شارك الرئيس الشرع في أعمال الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة التي عقدت بين 22 و30 أيلول الفائت.. ومع كل هذه التصريحات وكل التحليلات بشأن الزيارة وتوقيتها، فإن الغموض لا يزال يلف المحادثات التي تجري بوساطة أمريكية خلف أبواب مغلقة بين سورية وإسرائيل، والتي يشارك فيها الوزير الشيباني من الجانب السوري ودان ديرمر من الجانب الإسرائيلي، وهو مستشار نتنياهو للشؤون الإسرائيلية وعلاقاته قوية مع إدارة ترامب، كما أنه زار موسكو عدة مرات ولديه علاقات قوية مع إدارة الكرملين… كما أنه قام بزيارات مكوكية قبل سقوط النظام في سورية وبعد انتصار الثورة والتحرير إلى كل من موسكو وواشنطن.. ما أثار الكثير من التساؤلات حول الدور الإسرائيلي في الأحداث التي تشهدها سورية، وخاصة أن إسرائيل بعد سقوط النظام تزايد نفوذها وتدخلها في الشأن السوري، ومع اندلاع أحداث السويداء أصبحت إسرائيل لاعباً أساسياً داخل المعادلة السورية تنافس النفوذ الأمريكي والروسي والتركي. وباتت إسرائيل تحل وتربط في موضوع السويداء التي تسعى للانفصال تحت ذريعة الانفصال عن الإرهاب وليس عن الوطن، فيما تستبيح قوات الاحتلال الإسرائيلية الأراضي السورية والأجواء السورية، وتسجل التوغلات الإسرائيلية في قرى وبلدات القنيطرة مستوى لم تبلغه من قبل، وصلت إلى حد تفتيش المنازل وإقامة الحواجز على الطرقات لتفتيش المارة داخل الأراضي السورية وعلى بعد 40 كم من العاصمة دمشق.
هي تطورات سياسية تتعلق بالعلاقات الأمريكية السورية. ففي النهاية ما يهم الولايات المتحدة وإدارة ترامب بالدرجة الأولى هو أمن إسرائيل قبل كل شيء. ومن هنا جاء التركيز الأمريكي على سورية من أجل إبرام اتفاقيات أمنية وربما سياسية مع حكومة إسرائيل، حيث يسعى ترامب إلى إنهاء حالة العداء المستحكمة بين سورية وإسرائيل عبر تحويل العقيدة القتالية للجيش العربي السوري من العداء لإسرائيل – حيث إن سورية تعتبر إسرائيل هي العدو الأول لها – وتحويلها إلى العداء للإرهاب والبؤر والفصائل المتفلتة والمتطرفة التي ترفض الانضمام إلى الجيش العربي السوري.
ومع أن الشارع السوري يتابع ما يجري دون أن يبدي اهتماماً كبيراً على صعيد العلاقات السورية الأمريكية والوضع في الجنوب مع إسرائيل، إلا أن هذا الشارع في حالة انتظار لنتائج قمة الشرع-ترامب ومخرجاتها، وبخاصة فيما يتعلق بطبيعة التحالف بين واشنطن ودمشق، وإذا كان سيقتصر على الوضع الأمني أم أنه سيشمل رفع العقوبات وإلغاء “قيصر” وفتح العلاقات الاقتصادية.
حيث إن الوضع الاقتصادي والمعيشي لا يقل أهمية عن الوضع الأمني، خاصة بعد أن تعرضت الحكومة لحملة انتقادات واسعة على خلفية قرار رفع أسعار الكهرباء، ما أدى إلى موجة غلاء عالية وارتفاع أسعار السلع بشكل عام. حيث تستمر الحملات الإعلامية ضد الحكومة رغم نجاحاتها على صعيد الانفتاح على العالم وفك العزلة والحصار عن سورية، وإقامة علاقات دولية متوازنة مع جميع الأطراف. ويكفي الإشارة إلى أن سورية التي عانت العزلة والحصار، أصبحت لها علاقات قوية مع أوروبا والولايات المتحدة، ومع دول أمريكا اللاتينية واليابان والدول العربية والدول الآسيوية..
وتأتي زيارة الشرع إلى كل من الولايات المتحدة والبرازيل لتؤكد أن سورية اليوم أصبحت في قلب المجتمع الدولي، وفي عمق القضايا الدولية انطلاقاً من انضمامها إلى التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي والتنظيمات الإرهابية التي تضعها واشنطن على قائمة الإرهاب.
وفي هذا الإطار، أعلن وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني أن ما تتعرض له زيارة الرئيس أحمد الشرع من تشويه واتهامات يعبّر عن قلق عميق لدى خصوم الدولة السورية من إمكانية انخراط دمشق مجدداً في التحالفات الدولية على أسس الندية والمصلحة المتبادلة..
اللافت أن إعلان البيت الأبيض عن توقيع اتفاق الانضمام إلى التحالف الدولي لمحاربة داعش يتزامن مع التسريبات عن إطلاق عمليات واسعة في سورية لمحاربة التنظيم الإرهابي. حيث تشير التقارير الاستخبارية الأمريكية أن التنظيم استطاع استغلال الأوضاع الأمنية الهشة في سورية لإعادة تنظيم صفوفه وتوسيع نطاق انتشاره، كما أن التنظيم يستغل الحملة الدولية ضد الفصائل والعناصر الأجنبية والمرتزقة في سورية لاستقطابهم داخل صفوفه…
وقد أكد وزير الدفاع العراقي أن نظيره الأمريكي هيغز اتصل به وأبلغه أن الولايات المتحدة تعد العدة للقيام بعمليات عسكرية واسعة في سورية ضد تنظيم داعش في مناطق البادية وعلى طول الحدود مع العراق. وإذا ما تقاطعت هذه الأخبار مع زيارة الشرع إلى البيت الأبيض وإعلان “قوات سورية الديمقراطية” عن عشرات الهجمات التي شنها تنظيم داعش ضد “قسد”، فإن النتيجة تبدو واضحة وضوح الشمس أمام كل من له عقل. فالحرب على الإرهاب في سورية ربما تمتد إلى دول الجوار، حيث إن واشنطن تستهدف القوى والفصائل المناهضة لها في العراق ولبنان كالحشد الشعبي وحزب الله، كما استهدفت داعش في سورية. وإدارة ترامب تسعى، وفق الرؤية والتصور الذي وضعته حليفتها إسرائيل، لإعادة رسم خارطة الشرق الأوسط من جديد، حيث لا وجود لأي تنظيمات مسلحة، وإنما سيتم حصر السلاح في المنطقة كلها بالدول والحكومات فقط. ولهذا تستمر الحملة على حزب الله اللبناني لتسليم سلاحه، كما أن الوضع في العراق قابل للاشتعال بسبب رفض الحشد الشعبي الانضمام إلى الجيش العراقي كأفراد، ويصر على البقاء كفرق ومجموعات منفصلة.
وهذا ما يفسر الدعوات الأمريكية لدمج “قوات سورية الديمقراطية” داخل وزارة الدفاع. واستقبال الرئيس الشرع في البيت الأبيض دليل على أن إدارة ترامب جادة في خطواتها لإعادة الهدوء إلى المنطقة واحتضان حكومة دمشق التي تحولت من العداء إلى إسرائيل إلى الدعوة إلى السلام والاستقرار في المنطقة..
ولا شك أن انضمام سورية إلى التحالف الدولي لمحاربة داعش سيضعها في مكان جديد لتكون شريكاً للولايات المتحدة في محاربة الإرهاب. وهذا الانضمام إلى التحالف ربما يساعد على تسريع خطوات دمج “قوات سورية الديمقراطية” في وزارة الدفاع. ذلك أن “قوات سورية الديمقراطية” تحارب الإرهاب منذ 2015، وفي حال انضمام سورية إلى التحالف الدولي – رغم أن الخطوة مثيرة وغريبة وربما هي خطوة رمزية أكثر منها واقعية – حيث إنه وفق المعادلات الجديدة، فإن الجيش العربي السوري و”قوات سورية الديمقراطية” سيحاربان معاً الإرهاب ويشتركان معاً في محاربة داعش، وربما يتم تشكيل فرقة خاصة لهذه المهمة بإشراف قوات أمريكية. وبذلك يتم قتل عصفورين بحجر واحد: أولاً: يتم دمج “قسد” مع وزارة الدفاع في فرقة واحدة، وثانياً: يتم لأول مرة بعد حرب تحرير الكويت أن يقاتل الجيش السوري والجيش الأمريكي، ولكن هذه المرة ضد داعش…. وسيجد الجيش السوري نفسه أمام التزامات جديدة، وسيكون هذا الجيش أمام عقيدة قتالية وأيديولوجية جديدة. فالعدو الأول هو الإرهاب وليست إسرائيل، كما كان الوضع منذ قيام دولة إسرائيل.
وهذه التطورات على صعيد العقيدة القتالية للجيش العربي السوري، وهذه التوجهات الجديدة للحكومة السورية، هي التي دفعت إدارة ترامب إلى مقابلتها. فما يهم إدارة ترامب هو أمن إسرائيل، وإدارة ترامب لا تريد إضاعة الوقت ولا الفرص المتاحة لتحقيق هذا الهدف.
خاصةً وأن ما تقوم به سورية لا يتعارض مع توجهات ترامب، وبخاصة سياسة الانفتاح وضبط التوازنات الدولية وإعادة الأمن. كما أن ترامب يعتبر أي اختراق على صعيد توقيع اتفاق أمني بين سورية وإسرائيل، أو توقيع اتفاق انضمام سورية إلى التحالف الدولي، بمثابة وسام على صدره، وهدف يسعى من خلاله تسجيل اسمه في التاريخ، مثل القادة الذين دعموا وخدموا إسرائيل وحققوا السلام في المنطقة، كما هو الحال مع السادات وجيمي كارتر وموشي ديان الذين وقعوا كامب ديفيد.
وفي حال التوقيع على اتفاق الانضمام إلى التحالف الدولي لمحاربة داعش، والتوقيع على اتفاق أمني مع إسرائيل، فإن هذا يضع القيادة السورية أمام واقع جديد. حيث إن محاربة داعش ستصبح أولوية على ما عداها من أولويات، في وقت ستتراجع – لبعض الوقت – قضية إعادة الإعمار، خاصةً وأن الحكومة السورية لديها فصائل مسلحة منفلتة وربما ينضم بعضها إلى داعش. وبالتالي، زيارة الشرع إلى واشنطن ستضع سورية في مكان جديد وأمام عدو جديد. فالحرب على داعش والفصائل المتفلتة أمر حتمي. وفي المقابل، فإن مسألة إلغاء العقوبات وقانون “قيصر” تصبح تحصيل حاصل، وسيتم رفع العقوبات بشكل كامل. مع الإشارة إلى أن الشكوى من ضعف الاستثمارات العربية والأجنبية قياساً بحجم الانفتاح السياسي، يقابلها مطالبة دولية واسعة بضرورة إلغاء قانون “قيصر”… وربما تخفف العمليات ضد داعش من حالة الاحتقان الداخلي، وتساهم في تعزيز السلم الأهلي وتعزيز الوحدة الوطنية، خاصةً وأن هجمات داعش تتضاعف في ضوء خطوات الدمج الجارية التي يقوم بها الجيش مع “قسد”…
القمة السورية الأمريكية في البيت الأبيض بين الرئيس أحمد الشرع والرئيس دونالد ترامب، بقدر ما هي مثيرة وهامة سياسياً وأمنياً واقتصادياً، بقدر ما تمثل منعطفاً سياسياً ودبلوماسياً هاماً في مسار العلاقات السورية – الأميركية، وتحمل رمزية خاصة وأهمية تاريخية… وإن كانت الحملات الإعلامية تهدف إلى التشويش على هذا الحدث، فإن القراءة العقلانية للواقع تشير إلى أن سوريا تسير نحو إعادة تموضع تدريجي في الخارطة الدولية، وأن الانخراط في تحالفات أمنية جديدة يعكس اعترافاً عملياً بدورها كشريك وليس كخصم.

