
في ظل الأوضاع الاقتصادية المتقلبة وارتفاع الأسعار في الأسواق، برزت الزراعة المنزلية في الريف الساحلي السوري كخيار عملي وواقعي للأسر الباحثة عن الاستقرار الغذائي. لم تعد هذه الممارسة مجرد هواية أو نشاط جانبي، بل تحولت إلى وسيلة إنقاذ حقيقية، تمنح العائلات القدرة على مواجهة الظروف المعيشية الصعبة، وتفتح أمامها أبواب الاكتفاء الذاتي، بل وحتى إمكانية تحقيق دخل إضافي من خلال بيع الفائض في الأسواق المحلية أو للجيران.
إن هذه التجربة الريفية تعكس قدرة الإنسان على التكيف والإبداع في مواجهة التحديات، وتؤكد أن الحلول البسيطة قد تكون الأكثر تأثيراً في حياة المجتمعات.
مواجهة الغلاء
مع الارتفاع المستمر في أسعار المواد الغذائية، وجدت الأسر الريفية في الساحل السوري أن الزراعة المنزلية توفر بديلاً عملياً يقلل من الاعتماد على الأسواق. فزراعة الخضروات والفواكه في مساحات صغيرة حول المنزل، أو حتى في أحواض وأصايص، ساعدت على تأمين غذاء صحي وآمن بعيداً عن تكاليف الشراء المرتفعة. هذا التحول لم يكن مجرد استجابة ظرفية، بل أصبح جزءاً من ثقافة يومية تسعى إلى تعزيز الاستقلالية الغذائية.

تجارب ناجحة
شهدت السنوات الأخيرة بروز تجارب مميزة لعائلات ريفية استطاعت تحويل مساحاتها الصغيرة إلى حدائق منتجة. هذه العائلات زرعت أصنافاً متنوعة من المزروعات، ما ساهم في دعم غذاء الأسرة وتخفيف الأعباء الاقتصادية عنها. إضافة إلى ذلك، أضفت هذه الزراعات طابعاً جمالياً على محيط المنازل، وأسهمت في تحسين البيئة المحلية عبر زيادة المساحات الخضراء. نجاح هذه التجارب شجع المزيد من الأسر على خوض التجربة نفسها، ليصبح المشهد الزراعي المنزلي أكثر انتشاراً وفاعلية.
دور المؤسسات الزراعية
لم يكن هذا التوسع في الزراعة المنزلية بعيداً عن متابعة الجهات الرسمية. فقد قامت مديريات الزراعة، بالتعاون مع الوحدات الإرشادية في الأرياف، بزيارة العديد من المشاريع الواعدة، مقدمةً النصائح والإرشادات التي تساعد على تعزيز نجاحها. كما أكدت الجهات المعنية أهمية هذه المشروعات الصغيرة، داعيةً المواطنين إلى استثمار كل المساحات المتاحة لديهم، ومعلنةً استمرارها في تقديم الدعم والمشورة بما يتوفر من إمكانات. هذا التفاعل بين المجتمع المحلي والمؤسسات الزراعية يعكس وعياً متزايداً بأهمية الزراعة المنزلية كجزء من الحلول المستدامة للأزمات الاقتصادية.
نحو الاكتفاء الذاتي
أهمية الزراعة المنزلية لا تقتصر على توفير الغذاء فحسب، بل تمتد لتشكل خطوة حقيقية نحو الاكتفاء الذاتي في الريف الساحلي. فحين تتمكن الأسرة من إنتاج غذائها بنفسها، فإنها تقلل من اعتمادها على الأسواق، وتتحرر جزئياً من تقلبات الأسعار وضغوط الظروف الاقتصادية. هذا الاكتفاء الذاتي يعزز الشعور بالأمان والاستقرار، ويمنح الأسر الريفية قدرة أكبر على مواجهة المستقبل بثقة.
إن تجربة الزراعة المنزلية في الساحل السوري تمثل نموذجاً عملياً لكيفية مواجهة الأزمات بوسائل بسيطة وفعالة. فهي ليست مجرد زراعة، بل مشروع حياة يحقق الأمن الغذائي، ويخفف من الأعباء الاقتصادية، ويعزز الروابط الاجتماعية عبر تبادل الفائض بين الجيران. ومع استمرار الدعم من المؤسسات الزراعية، يمكن لهذه المبادرات أن تتحول إلى ثقافة راسخة، تجعل الريف الساحلي أقرب إلى الاكتفاء الذاتي وأكثر قدرة على الصمود أمام التحديات.
عبير محمود – أخبار الشام sham-news.info

