
بعد أكثر من عقد من العزلة الاقتصادية، شهد عام 2025 تحولاً تاريخياً في الملف السوري مع رفع العقوبات الدولية الرئيسية، وذلك عقب سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024. جاء هذا التحول على مراحل، وشمل جهات فاعلة دولية عدة، وكان مقروناً بمجموعة من الشروط التي تهدف إلى تثبيت سلوك الحكومة الانتقالية الجديدة.
لم يكن رفع العقوبات حدثاً مفاجئاً، بل جاء نتيجة عملية سياسية متدرجة تمت على عدة مراحل رئيسية خلال عام 2025:
مايو 2025: الإعفاءات المؤقتة والتراخيص العامة
قامت الولايات المتحدة بإصدار “الترخيص العام رقم 25” الذي سمح للأمريكيين بالقيام بأعمال تجارية في سوريا لأول مرة منذ سنوات. كما أعلنت عن تعليق العقوبات بموجب قانون “قيصر” لمدة 180 يوماً، بهدف تسهيل الجهود الإنسانية وإعادة الإعمار.
يونيو 2025: الأمر التنفيذي الأمريكي
أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأمر التنفيذي رقم 14312 الذي أنهى رسمياً البرنامج الشامل للعقوبات على سوريا. أزال هذا الأمر العديد من العقوبات مع الاحتفاظ بها على فئات محددة مثل بشار الأسد ومقربيه، ومرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان، وتجار المخدرات، والجهات المرتبطة بالإرهاب.
نوفمبر 2025: إزالة عقوبات الأفراد والشروع في الإلغاء النهائي
في خطوة تحضيرية لمفاوضات سياسية، رفعت الولايات المتحدة والأمم المتحدة العقوبات عن الرئيس أحمد الشرع ووزير الداخلية أنس خطاب، اللذين كانا مدرجين سابقاً على قوائم الإرهاب. بالتزامن، بدأ الكونغرس الأمريكي الخطوات التشريعية لإلغاء قانون “قيصر” نهائياً من خلال إدراج بند خاص في مشروع قانون تفويض الدفاع الوطني.
ديسمبر 2025: الإلغاء التشريعي النهائي لقانون “قيصر”
توصل الكونغرس الأمريكي إلى اتفاق تاريخي ينص على إلغاء عقوبات “قيصر” على سوريا نهائياً، وذلك بعد إقراره كجزء من مشروع قانون موازنة الدفاع. يعتبر هذا القرار إغلاقاً لملف العقوبات الأقسى وفتحاً لصفحة جديدة.
ارتبط رفع العقوبات، وخاصة الإلغاء النهائي لقانون “قيصر”، بمجموعة من المعايير والشروط التي يتوقع من الحكومة السورية الالتزام بها. وردت هذه الشروط بشكل رئيسي في نصوص القرارات الأمريكية، ويمكن تلخيصها فيما يلي:
مكافحة الإرهاب: اتخاذ إجراءات ملموسة وفعالة للقضاء على التهديد الذي يشكله تنظيم “الدولة الإسلامية” والقاعدة وفروعهما، بالتعاون مع الولايات المتحدة.
حماية حقوق الأقليات: احترام حقوق الأقليات الدينية والإثنية، بما في ذلك حرية العبادة والمعتقد، وضمان تمثيلها العادل في الحكومة.
الاستقرار الإقليمي: عدم القبعمل عسكري أحادي الجانب وغير مبرر ضد الجوار، بما في ذلك إسرائيل.
تنفيذ الاتفاقيات الداخلية: الإحراز نحو تنفيذ اتفاق مارس 2025 مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، بما في ذلك دمج القوى الأمنية والتمثيل السياسي.
محاربة الفساد المالي: اتخاذ خطوات فعالة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وتمويل انتشار أسلحة الدمار الشامل.
العدالة الانتقالية: ضمان ملاحقة قضائية فعالة لمرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة.
مكافحة المخدرات: اتخاذ خطوات لمكافحة الإنتاج غير المشروع والانتشار الدولي للمخدرات، وخاصة الكبتاغون.
من الجدير بالذكر أن الكونغرس اشترط تقديم تقرير رئاسي كل 180 يوماً ولمدة أربع سنوات، يتضمن تقييماً لمدى التزام الحكومة السورية بهذه المعايير. كما منح الرئيس الأمريكي صلاحية “إعادة النظر” في فرض عقوبات على أفراد في حال عدم تقديم تقرير إيجابي في فترتين متتاليتين.
لم تكن الولايات المتحدة الفاعل الوحيد، فقد تحركت جهات دولية أخرى بشكل متوازٍ منهم الاتحاد الأوروبي حيث رفع معظم العقوبات القطاعية على الطاقة والنقل والبنوك في منتصف العام، مع الاحتفاظ بالعقوبات الأمنية (مثل حظر الأسلحة) والعقوبات على الأفراد والكيانات المرتبطة بنظام الأسد حتى يونيو 2026.
و بنفس الوتيرة المملكة المتحدة وسويسرا قامتا بتخفيف عقوبات مماثلة في قطاعات الطاقة والبنوك.
لتقوم الأمم المتحدة برفعت العقوبات عن الرئيس أحمد الشرع ووزير الداخلية من قائمة عقوبات اللجنة المتعلقة بتنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة.
يُنظر إلى رفع العقوبات على أنه شرط أساسي لبدء التعافي الاقتصادي الحقيقي في سوريا. يُتوقع أن تؤدي هذه الخطوة إلى جذب الاستثمارات الأجنبية، وخاصة من دول الخليج.
تسهيل تحويل الأموال وعودة التبادل التجاري مع العالم.
تمهيد الطريق أمام مشاريع إعادة الإعمار الكبرى التي تحتاجها البلاد بشكل عاجل و تحسين الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والرعاية الصحية من خلال فتح الباب أمام الاستثمار في البنية التحتية.
باختصار، يمثل عام 2025 نقطة تحول جوهرية في العلاقة بين سوريا والمجتمع الدولي. لقد انتقل الملف من مرحلة العزل والعقاب إلى مرحلة جديدة تقوم على الشرطية والمشاركة، حيث يربط رفع العقوبات بتحقيق تقدم ملموس على مسارات الاستقرار الداخلي والإقليمي وحقوق الإنسان. يعتمد نجاح هذه المرحلة على قدرة الحكومة الانتقالية على الوفاء بالتزاماتها، ورغبة المجتمع الدولي في دمسانة وتعافي سوريا.

