·
الحكومة السورية تسقط في أول اختبار لها للتعاون الأمني مع واشنطن.. وهجوم تدمر يكشف المستور ويزيد الضغوط على ترامب قبل زيارة نتنياهو إلى واشنطن…
لم يكن توقيت ومكان الهجوم على القوات الأمريكية ومقتل ثلاثة جنود وإصابة آخرين في مدينة تدمر، خلال اجتماع مشترك أمريكي سوري لتنسيق الأعمال القتالية ضد داعش، مجرد صدفة، وإنما عملاً مدبراً ومتعمداً وليس حادثاً فردياً لأحد العناصر المتفلتة. ولكن التنظيم الإرهابي أراد أن يذكر بنفسه المجتمعين لمحاربته بأن قوات الأمن السورية مخترقة من قبل التنظيم الإرهابي. فجاء الهجوم في توقيت حساس قبل أيام من عزم الرئيس ترامب التوقيع على أمر تنفيذي بإلغاء قانون قيصر بعد موافقة مجلس النواب، وترقب السوريين لموافقة مجلس الشيوخ قبل أعياد الميلاد ورأس السنة لإعطاء سورية فرصة للنهوض والاستقرار.
ورغم أن البيانات التي صدرت من كل من دمشق وواشنطن تظهر حجم الإرباك والذعر والفوضى التي أثارها الهجوم الذي استهدف اجتماعاً أمنياً وعسكرياً بين قيادات من الجيش الأمريكي والأمن السورية، في عملية خرق أمنية واضحة.
المتحدث باسم الداخلية السورية أكد أن منفذ هجوم تدمر ضد القوات الأمريكية كان عنصراً بقوات الأمن، وصدر بحقه تقييم سلبي وتم اتخاذ قرار فصله، إلا أن صدوره تأخر بسبب العطلة الرسمية..
ويطرح هذا البيان والاعتراف أسئلة كثيرة، رغم أنه يؤكد على حرص كلا الجانبين على التوصل لمعرفة هوية الإرهابي الذي قام بالهجوم، وكيف وصل إلى مكان الاجتماع، وإذا كان له علاقة بعناصر أو جهات خارجية أو عناصر أخرى يُطلق عليهم الغرب “الذئاب المنفردة”، وهم عناصر إرهابية تحمل عقيدة جهادية متطرفة..
ومع أن الإرهابي قتل في الاشتباك، إلا أن القوات الأمريكية قامت بعمليات حربية في المدينة وشنت حملة تفتيش واعتقالات استمرت ساعتين قبل أن تنسحب، وتم قطع طريق دير الزور – دمشق لمدة قصيرة على خلفية الحادث، بالتزامن مع تحليق مكثف للطيران الأمريكي في أجواء المنطقة بعد أن قامت مروحيات أمريكية بعمليات لإجلاء المصابين إلى قاعدة التنف على الحدود السورية، وقامت طائرات إف-16 أمريكية بالتحليق فوق تدمر لاستعراض القوة…
وأعلن وزير الحرب الأمريكي هيغسيت القضاء على الإرهابي الذي نفذ الهجوم وسط سوريا على يد قوات شريكة… وقال هيغسيت: “ليعلم من يستهدف الأمريكيين في أي مكان في العالم أننا سنطارده ونقتله دون رحمة”.
من جانبه، سارع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى إدانة الهجوم وقال: “ننعي ثلاثة مواطنين عظماء في سورية في كمين”، مؤكداً أن أمريكا سترد على الهجوم، واعتبر ترامب ما حصل هجوماً من تنظيم الدولة ضد الولايات المتحدة وسورية…
المبعوث الأمريكي إلى سورية توم باراك، الذي يحاول خلال زيارته إلى إسرائيل إقناع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو وحكومته بضرورة تغيير مواقفها من حكومة الشرع قبل اللقاء المرتقب بين نتنياهو وترامب في واشنطن، أكد أن الهجوم في تدمر سيكون محرجاً له، مع أنه قال إن بلاده سترد بقوة وحزم وسرعة على الهجوم الشنيع، وقال إن أعداداً محدودة من القوات الأمريكية منتشرة في سورية لدحر تنظيم داعش الإرهابي، وإن بلاده والحكومة السورية ستلاحق كل من تورط في الهجوم الإرهابي. وأكد باراك أن واشنطن ترحب بالتزام الرئيس السوري أحمد الشرع عزمه الراسخ على تحديد هوية مرتكبي هذا الهجوم ومحاسبتهم…
وفور وقوع الهجوم، تعددت الروايات التي تحدث بعضها أن منفذ الهجوم عنصر من قوات الأمن المنفلتة الجديدة، الأمر الذي تسبب بحالة من الحرج والإرباك للحكومة السورية، ذلك أن الولايات المتحدة تراهن على نجاح هذه الحكومة وقدرتها على ضبط الأمن والسيطرة على العناصر المنفلتة والمتطرفة، خاصة بعد أن نجحت قوات الأمن السورية في الاختبار الأول لها خلال الاحتفالات التي شهدتها سورية بمناسبة عيد النصر والتحرير قبل أيام من الهجوم الإرهابي الذي استهدف القوات الأمريكية في تدمر.
وفيما أدان وزير الخارجية والمغتربين أسعد حسن الشيباني بشدة الهجوم الإرهابي الذي استهدف دورية لمكافحة الإرهاب مشتركة بين سوريا والولايات المتحدة بالقرب من تدمر، فقد أكد مصدر أمني سوري، على عكس ما أعلنت الداخلية السورية التي أقرت بأن منفذ الهجوم عنصر في قوات الأمن السورية، بينما أكد المصدر الأمني أن الهجوم نفذه عنصر من خلايا تنظيم داعش استهدف الحرس الخارجي للقيادات الأمريكية، وأكد المصدر أن عناصر الحراسة اشتبكوا مع المهاجم وقاموا بقتله قبل أن يتمكن من الوصول للغرفة التي ضمت القيادات الأمريكية أثناء الاجتماع….
وفي ظل الضغوط التي يتعرض لها الرئيس ترامب من الداخل الأمريكي بسبب رهاناته على قدرة حكومة الشرع على حفظ الأمن واندفاعه لتحسين العلاقات معها بدعم وتشجيع من الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، فقد دافع البنتاغون عن مواقف ترامب وأصدر بياناً حول الهجوم الإرهابي زعم فيه أن الهجوم على الجنود الأمريكيين وقع في منطقة خارجة عن سيطرة حكومة الشرع، فيما أعلن مسؤول أمريكي رفيع أن التقييمات الأولية تشير إلى أن تنظيم الدولة هو على الأرجح من نفذ الهجوم…
أما القيادة المركزية الوسطى فقد أعلنت مقتل اثنين من الجيش الأمريكي ومدني أمريكي وإصابة 3 جراء كمين لمسلح منفرد من داعش بسوريا، وأكدت القيادة أنه تم قتل المسلح الذي نفذ الكمين ضد القوات الأمريكية بسورية بعد الاشتباك معه…
ورغم أن حيثيات الهجوم وتفاصيله الدقيقة لا تزال غامضة في ظل الإرباك الذي حصل، غير أن وزارة الداخلية السورية استبقت التحقيقات وحملات التشويش والتحريض، وأعلنت في بيان لها بعد الإدانة أمرين هامين… الأمر الأول: أنها نفت في البيان ما أعلنه مسبقاً المتحدث باسمها، وقالت إن منفذ الهجوم لا علاقة له بأي قيادي من قادة الأمن الداخلي.. والأمر الثاني: أنها كانت حذرت القوات الشريكة مسبقاً من احتمال حصول خرق لداعش في بادية تدمر…
ويبدو أن العلاقات السورية الأمريكية المستجدة ستتعرض لاختبارات عديدة ومؤلمة خلال المرحلة القادمة، ذلك أن الرئيس ترامب قرر فجأة وبدون مقدمات تغيير مسار العلاقات وإعطاء فرصة للحكومة السورية الجديدة، ودعم اندماج قوات سورية الديمقراطية مع الجيش السوري وتطبيق اتفاق العاشر من آذار بين الرئيس الشرع ومظلوم عبدي قائد قوات سورية الديمقراطية، وعبر الإعلان بشكل متكرر عن عزمه إلغاء قانون قيصر وإعطاء سورية فرصة لتحقيق الأمن والاستقرار. ولكن التحديات كثيرة، والتناقضات بين المواقف الدولية والإقليمية بشأن سورية لا تعد ولا تحصى، فإسرائيل وتركيا لا تتوقفان عن التدخل في الشأن السوري، وحكومة الاحتلال برئاسة نتنياهو تعارض السياسة التي ينتهجها ترامب وترفض المسار الأمريكي الداعي إلى ضرورة المحافظة على وحدة سورية، في وقت تسعى حكومة نتنياهو جديّاً لتقسيم سورية إلى دويلات طائفية وعرقية، وتواصل دعم انفصال السويداء وشرق الفرات، عدا عن رفضها لأي نفوذ تركي داخل سورية، وخاصة بعد قرار واشنطن بتجريم الإخوان المسلمين الذي تدعمه أنقرة، والتي اتهمت بدورها إسرائيل بلسان وزير خارجيتها هاكان فيدان بأنها تشجع قوات سورية الديمقراطية على عدم الاندماج بالجيش السوري…
ويبدو أن هجوم تدمر الإرهابي على القوات الأمريكية سيترك تداعيات خطيرة على مواقف مختلف الأطراف، خاصة إذا تبين أن منفذ الهجوم له علاقة بقيادة أمنية داخل الفصائل المسلحة والجيش. عندها سيتم استخدام هذه الحادثة لتصفية الحسابات وتطهير الجيش من العناصر المتطرفة وتسريع دمج قسد، لأن الجيش الأمريكي يعمل منذ سنوات معها ويقوم بتدريبها على محاربة تنظيم الدولة. وربما يفتح هذا الهجوم في تدمر أبواب جهنم على سورية، ويعيد خلط الأوراق، ويشعل الاحتراب على الساحة السورية داخلياً وإقليمياً ودولياً تحت عنوان عريض ومبرر هو محاربة الإرهاب. وربما سيتم الزج بكل الأطراف التي تعارض حكومة الشرع في هذه المعركة التي لن تكون محصورة داخل سورية، وإنما ستمتد إلى دول الجوار، لأن الحرب على الإرهاب هي حرب عابرة للحدود…..
