شكل الدخول العسكري الروسي إلى سورية بطلب من الحكومة السورية في الثلاثين من أيلول عام 2015 انعطافة كبرى في تاريخ الحرب الإرهابية على سورية بالنظر إلى النجاحات التي حققتها القوات الجوفضائية الروسية خلال السنة الأولى لدخولها في تدمير مواقع الإرهاب وتفكيك التحالفات الدولية الداعمة له، حيث استطاعت بالتعاون مع الجيش العربي السوري والقوات الرديفة إلحاق الهزائم بالتنظيمات الإرهابية وداعميها وصولاً إلى تحرير الغوطة الشرقية وحلب وإعلان معظم المناطق السورية آمنة بالإضافة إلى إطلاق عملية أستانا للحل السياسي في بداية العام 2017 للدول الضامنة الثلاث: روسيا، وإيران، وتركيا، بمشاركة الأمم المتحدة ومواصلة الجهود بدون توقف لإخلاء إدلب من الإرهاب بعد المصالحات الناجحة في مناطق خفض التصعيد الثلاثة في درعا والغوطة وشمال حمص التي استعادت الدولة السورية تحريرها بشكل كامل وآمن لتعود الحياة الطبيعية إلى هذه المناطق.
وفيما كانت روسيا تتعاون مع الدولة السورية بكل المجالات لإعادة الأمن والاستقرار بعد الحرب، راحت واشنطن بعد فشل مشروعها الدموي بإسقاط سورية بالقوة تعمل على اتجاهين: الأول رعاية فلول الإرهاب في البادية السورية وتدريب المجموعات الإرهابية وإطلاقها لقتال الجيش العربي السوري في مساحات واسعة انطلاقاً من قاعدة التنف التي تحولت إلى مركز تدريب وتفريغ للإرهاب لتنظيم داعش وغيره من التنظيمات. أما الاتجاه الثاني فهو احتلال الجزيرة السورية وسرقة الغاز والنفط وفرض العقوبات لخنق سورية اقتصادياً وتمويل مشروعها المستمر على صعيدي الاحتلال والإرهاب وعرقلة كل الجهود لإحلال السلام في سورية وتحويل قاعدة التنف الأمريكية غير الشرعية إلى منطقة لتجنيد وزج الإرهابيين في جبهات القتال مع الجيش العربي السوري الذي تعرض لسلسلة هجمات خلال الأشهر الماضية بالتزامن مع تصعيد الاعتداءات الإسرائيلية والهجمات الإرهابية بواسطة الطائرات المسيرة التي أسقط الجيش والقوات الجوفضائية الروسية في قاعدة حميميم العشرات منها.
وتأتي العملية العسكرية الواسعة التي تقوم بها وحدات من الجيش العربي السوري بالتعاون مع القوات الروسية الجوفضائية لتمشيط البادية السورية من بقايا تنظيم داعش الإرهابي المدعوم من أمريكا في المكان والزمان المناسبين بعد أن طفح الكيل وبلغ السيل الزبى وحانت ساعة الصفر للقضاء على الإرهاب في البادية السورية واستعادة الأمن إليها، خاصة وأن الولايات المتحدة تعتبر كل هجوم على الجيش العربي السوري وحلفائه وعلى المدنيين هو انتصار لها ولمشروعها، وهي التي تزعم نفاقاً وكذباً أنها تحارب تنظيم داعش، إلا أن الوقائع على الأرض تؤكد أن واشنطن تنقل عناصر هذا التنظيم بطائراتها وتضعها في مواجهة الجيش العربي السوري. وخلال السنوات الماضية أطلقت الولايات المتحدة آلاف الإرهابيين من سجون ميليشيا قسد من تنظيم داعش من مناطق سيطرتها في الجزيرة باتجاه البادية ووضعتهم في مواجهة الجيش العربي السوري الذي كان في مواجهة دائمة مع الإرهاب ولكن ضمن حدود عمليات عسكرية محدودة بعد أن توقفت الحرب في سورية عملياً في العام 2016 بعد تحرير حلب. ولكن واشنطن استخدمت قواتها المحتلة على الأراضي السورية لارتكاب الجرائم بحق الشعب السوري وتحويل البادية السورية ومحافظة إدلب التي يسيطر عليها تنظيم هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، حيث تسعى واشنطن منذ سنوات لتعويم أبو محمد الجولاني وتنظيمه وتلميع صورته ليس باعتباره مجرماً وإرهابياً موصوفاً لدى مجلس الأمن، بل باعتباره سياسياً ومفاوضاً لتمثيل المشروع الأمريكي البائد.
ورغم كل الظروف التي تمر بها البلاد فإن الهاجس الأساسي للحكومة السورية هو تحرير كامل الأراضي السورية من الإرهاب ومن الاحتلال. ومن الإرهاب أولاً لأن الإرهابيين يحمون المحتل، كما أن المحتل الأمريكي والتركي يؤمنان الحماية للإرهابيين، وذلك في عملية تبادل للمصالح بعد أن أدرك كليهما أن معركته خاسرة مع الدولة السورية وحلفائها.
فالمعركة فاصلة اليوم في البادية السورية بين الجيش والإرهاب، وهي أضخم عملية يقوم بها الجيش العربي السوري منذ تحرير تدمر في آذار 2016. والهدف هو تمشيط البادية السورية وملاحقة خلايا “داعش” ووقف عمليات تسلل الإرهابيين من قاعدة الاحتلال الأمريكي في التنف لاستهداف المناطق الآمنة والمدنيين وحافلات الجيش. فالعملية التي بدأت بغارات مكثفة للطيران السوري والروسي على مواقع الإرهابيين ومخازن أسلحتهم لا تزال مستمرة منذ الأربعاء الماضي. ويشارك فيها العديد من الوحدات، والهدف الرئيسي منها هو تطويق المحتل الأمريكي وتحييد قواته ضمن منطقة محددة، والفصل بين تنظيم داعش الإرهابي وبين هذه القوات، وتأمين باديتي السخنة وتدمر إضافة إلى بادية الرصافة جنوب الرقة وبادية دير الزور الغربية، وحماية الطرق الدولية التي تمر بالمنطقة. وإغلاق ممرات عبور إرهابيي داعش من قاعدة التنف الأمريكية غير الشرعية. هي مهمة سهلة لقوات الجيش التي تمرست في الحرب في كل الظروف والتي حققت إنجازات هامة ووصلت إلى أماكن تواجد التنظيم الإرهابي وإلى المغاور والأماكن التي يختبئ فيها، وقضت على المئات من عناصره ودمرت الوسائل التي يستخدمها في هجماته الإجرامية.
وهكذا فإن العملية الواسعة التي يقوم بها الجيش بالتعاون مع القوات الروسية تكشف كذب ونفاق واشنطن بأنها تحارب تنظيم داعش الإرهابي. فالتنظيم الإرهابي يرتع وينمو ويعيد تجميع عناصره تحت مرأى ومسمع قوات الاحتلال وقواعده. ولم يكن للتنظيم الذي فقد كل مقومات وجوده أن يبقى أو يهاجم الجيش العربي السوري لولا الدعم الأمريكي. فحيث يوجد المحتل الأمريكي فإن تنظيم داعش يرتع وينمو. فالاحتلال والإرهاب وجهان لعملة واحدة. ولا شك أن سورية تمتلك كل الوسائل والأدوات والدوافع في محاربة الإرهاب كما تملك الإرادة لتحقيق النصر الكامل على الإرهاب التكفيري وإخلاء البادية وإدلب من الإرهاب. وقد اعترف العالم بهذه الحقائق رغم المكابرة الأمريكية، فانتصار سورية لم يكن على مجموعات إرهابية سورية بل كان انتصاراً على أكثر من 300 ألف إرهابي تم تجنيدهم من 83 دولة لقتال الجيش العربي السوري. وبالتالي، فإن ما أنجزته القوات السورية والقوات الجوفضائية الروسية في الحرب على الإرهاب يعد بكل المقاييس نصراً تاريخياً وحدثاً غير مسبوق في تاريخ الحروب. ولهذا عندما تزعم أمريكا أنها تحارب داعش فإن على كل العالم أن يعرف أنها لا تقول الحقيقة، وأنها تكذب، وأنها لا تحارب داعش في سورية بل تدعمه وتدفع به لقتال الجيش العربي السوري.