المقاومة اللبنانية تستعد لمواجهة أي عدوان إسرائيلي محتمل على لبنان في ظل تهديدات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. يستبعد المراقبون دخول سوريا في الحرب قبل الانتهاء من الحرب على الإرهاب، والتي تعد من أولى أولويات الحكومة السورية، بالإضافة إلى معالجة الأزمة الاقتصادية التي تعصف بسوريا جراء الحصار والعقوبات الغربية الأحادية.
منذ احتلال إسرائيل للجنوب اللبناني عام 1982، بدأت المقاومة الوطنية اللبنانية عملياتها لتحرير الجنوب، واستمرت طوال 18 عاما حتى عام 2000، عندما أجبرت المقاومة اللبنانية، التي تضم عدة أحزاب وطنية وقومية وإسلامية بقيادة حزب الله، إسرائيل على الانسحاب من الجنوب اللبناني دون قيد أو شرط. كان ذلك بدعم كبير ومباشر من سوريا، التي كانت تحتفظ بقوات كبيرة لها في لبنان منذ عام 1975 ضمن قوات الردع العربية التي كانت مهمتها وقف الحرب الأهلية في لبنان. بقيت القوات السورية حتى عام 2005 قبل أن تغادر لبنان بعد جريمة اغتيال رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري.
في عام 2006، شنت إسرائيل حربا واسعة على لبنان استمرت 33 يوما، إلا أن حزب الله اللبناني، الذي اكتسب قدرات قتالية عالية بفضل دعم إيران وسوريا، استطاع أن يتصدى للعدوان ويوجه ضربات قاسية ومفاجئة ضد المستوطنات في عمق فلسطين المحتلة. منذ ذلك الحين، راحت المقاومة اللبنانية تراكم قدراتها وتحشد المزيد من العناصر والمقاتلين حتى وصل تعدادها اليوم إلى أكثر من مئة ألف مقاتل. كما أنها خاضت ولا تزال تخوض الحرب ضد الإرهاب جنبا إلى جنب مع الجيش العربي السوري.
منذ عملية طوفان الأقصى التي قامت بها حركة حماس وما تبعها من عدوان إسرائيلي واسع وتدمير كامل لمناطق القطاع لا يزال مستمرا منذ تسعة أشهر، التزمت المقاومة اللبنانية موقفا مؤيدا لعملية طوفان الأقصى وأعلنت أنها ستكون جبهة دعم ومساندة. وأكدت أنها لن تنخرط في الحرب مباشرة، لكنها ستواصل الضغط على المحتل الصهيوني وتشاغل قواته في الشمال على الحدود مع لبنان لمنعه من استخدامها ضد المقاومة الفلسطينية في غزة.
خلال تسعة أشهر، كانت المقاومة اللبنانية وقوات حزب الله تتبادل القصف والاشتباكات المحدودة والمضبوطة على طول الحدود دون أن تتوسع إلى حرب شاملة، خاصة وأن الولايات المتحدة أرسلت البوارج وحاملات الطائرات إلى قبالة السواحل اللبنانية وهددت بالدخول في الحرب في حال شن حزب الله هجوما واسعا على إسرائيل، وهو الأمر الذي لم يحصل.
في ضوء فشل إسرائيل وحكومتها المتطرفة، التي يقودها نتنياهو وسيموتريتش وبن غافير وغالانت وهنغبي، في القضاء على حماس وإطلاق الأسرى الصهاينة المتبقين لدى حركة حماس وعددهم 134 رهينة، فإن نتنياهو يواصل الإعداد لتوسيع الحرب لخدمة مصالحه الشخصية وللخروج من المأزق الذي وجد نفسه فيه جراء الحرب المستمرة. تكبدت إسرائيل خسائر بشرية ومادية واقتصادية، عدا عن تهشيم سمعة كيان الاحتلال على المستوى العالمي بوصفه كيانا مجرما وقاتلا وعدوانيا وتوصيف الجرائم التي ارتكبها ضد الفلسطينيين بجرائم إبادة جماعية، ما أدى إلى مطالبة محكمة الجنايات الدولية ومجلس الأمن بوقف العدوان ومحاكمة نتنياهو وغالانت.
سوريا التي كانت دائما مع المقاومة في تحالف وثيق كرفاق سلاح في مواجهة العدو الإسرائيلي ومواجهة الإرهاب في سوريا خلال ثلاثة عشر عاما، دعت منذ البداية إلى وقف العدوان الإسرائيلي وطالبت المجتمع الدولي بالعمل على لجم إسرائيل وحماية الفلسطينيين. شهدت سوريا أنشطة وفعاليات وتظاهرات في دمشق ومختلف المحافظات للتنديد بالعدوان وجرائمه ودعمت صمود الشعب الفلسطيني وواجهت الاعتداءات الإسرائيلية التي اتسعت وتصاعدت على الأراضي السورية منذ عملية طوفان الأقصى تحت ذريعة منع المقاومة اللبنانية من تمرير الأسلحة عبر سوريا وبحجة مواجهة النفوذ الإيراني في سوريا.
خلال الأشهر التسعة الماضية، شهدت سوريا الكثير من الاعتداءات الإسرائيلية، كان أكثرها خطورة الهجوم الإسرائيلي على السفارة الإيرانية بدمشق وما تبعه من تصعيد كبير في المنطقة وصولا إلى التهديدات التي أطلقها رئيس حكومة الاحتلال بشن الحرب على لبنان. حيث استشعرت سوريا الخطر الكبير الذي يحدق بالمنطقة وأصدرت بيانا شديد اللهجة وغير مسبوق، حذرت فيه من مغبة قيام إسرائيل بمواصلة الحرب على غزة وتوسيعها. طالبت سوريا في بيان لوزارة الخارجية ما تبقى من المجتمع الدولي بالعمل على وقف جريمة الإبادة البشرية التي يرتكبها الكيان الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني، ووقف جرائمه بحق القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.
ويرى مراقبون أن سوريا لن تدخل الحرب مباشرة ضد إسرائيل، ولديها أولويات أهمها مواصلة الحرب على فلول الإرهاب في إدلب والبادية السورية ومعالجة الأزمة الاقتصادية التي تمر بها. ولكنها في المقابل ستواصل دعم المقاومة اللبنانية، وكما وقفت سوريا خلال حرب تموز عام 2006 مع المقاومة، فإنها ستواصل تقديم كل ما يلزم للمقاومة بما يمكنها من تحقيق الانتصار على العدو الصهيوني الذي فشل في تحقيق أهدافه على جبهة غزة، التي تعد بكل المقاييس أقل بكثير وأصغر من جبهة الجنوب اللبناني. فإذا عجز نتنياهو وحكومته عن تحقيق أهدافهم على جبهة غزة، فكيف سينتصرون ويهزمون المقاومة اللبنانية التي تمتلك أضعاف ما لدى المقاومة الفلسطينية في غزة؟
يبدو أن نتنياهو اليوم في وضع صعب جدا ولا يُحسد عليه داخليا وعلى الساحة الدولية، وليس أمامه إلا خيار استمرار العدوان الوحشي وحرب الإبادة التي يشنها على الشعب الفلسطيني، لأنه يدرك أن البديل هو السقوط السياسي والذهاب إلى انتخابات مبكرة. فالمعارضة والأحزاب الإسرائيلية وأسر الرهائن لدى المقاومة، ومعظم الإسرائيليين يطالبون جميعهم بإسقاط الحكومة فورا وإجراء انتخابات جديدة. لكن الأهم أن موضوع القضاء على المقاومة أكبر بكثير من نتنياهو والحكومة الإسرائيلية وأحلام الصهاينة، فقد أظهرت المقاومة ثباتا في مواقفها وأكدت أنها قادرة على الاستمرار في الحرب ضد الغزاة مهما كلف الثمن.