رغم أن الهدف من الهجوم الإرهابي على كورسك الروسية كان الوصول إلى محطتها النووية، إلا أن الجيش الروسي تمكن من امتصاص الهجوم ووقفه قبل أن يصل إلى المحطة النووية في كورسك. بدأت التحضيرات على المستويات السياسية والعسكرية والأمنية لمرحلة ما بعد كورسك، لأن هذا الهجوم المفاجئ، كما اعتبره الروس، يعد تجاوزاً لكل الخطوط الحمراء واعتداءً على سيادة روسيا وأمنها. وبالتالي، فإن ما قبل كورسك ليس كما بعدها.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أوصى بتحصين المناطق الحدودية مع أوكرانيا وقام بزيارة إلى جمهورية الشيشان، وهي الأولى له منذ عام 2011، والتقى مع رئيسها رمضان قديروف، الذي تشارك قواته في دحر النازيين في أوكرانيا، ويقوم بإعداد مجموعات مدربة لإرسالها إلى كورسك للمساهمة في تحرير 28 بلدة احتلتها القوات الأوكرانية. وخلال اللقاء بين الرئيس بوتين وقديروف، عبر الأخير عن شكره وأكد أن الوضع الاقتصادي والسياسي في الشيشان مستقر، وهذا ما تثبته زيارة بوتين التي تعبر عن تماسك ووحدة الشعب الروسي وتمتعه بالحريات الدينية، وأن محاولات الغرب لزعزعة الاستقرار الداخلي في روسيا لن تكتب لها النجاح. حيث يحقق المقاتلون الشيشان إلى جانب الجيش الروسي انتصارات باهرة على مختلف الجبهات.
الرئيس بوتين، قبل زيارته إلى الشيشان، عقد اجتماعاً أمنياً كشف خلاله أهداف الهجوم على كورسك الروسية، وحذر من هجمات تطال مناطق أخرى، واعتبر أن مهاجمة كورسك محاولة لتحسين مواقف نظام كييف في المفاوضات المستقبلية، متسائلًا كيف يمكن الحديث عن مفاوضات مع أولئك الذين يستهدفون المدنيين ويهددون بضرب المنشآت النووية.
بالتوازي مع جولة بوتين على المقاطعات الحدودية وتشكيل مجموعات خاصة لحماية الحدود مع أوكرانيا، فقد أعلن الرئيس بوتين أن روسيا سترد على تصرفات العدو في كورسك رداً قاسياً. وفي تطور لافت، أعلنت الاستخبارات الخارجية الروسية أن الهجوم الأوكراني على مقاطعة كورسك الحدودية جنوب غربي روسيا تم بمشاركة الاستخبارات الأمريكية والبريطانية والبولندية، والتنسيق معها. وهو موقف ترجمته الخارجية الروسية سياسياً باستدعاء القائمة بالأعمال الأمريكية لإبلاغها احتجاج موسكو على مرافقة صحفيين أمريكيين لقوات كييف بمقاطعة كورسك، وتلك إشارة واضحة إلى أن موسكو تعتبر أن الولايات المتحدة والدول الغربية ضالعة وشريكة في الهجوم الإرهابي على كورسك.
أما في شيكاغو في الولايات المتحدة، فقد استغل الرئيس الأمريكي جو بايدن مؤتمر الحزب الانتخابي للهجوم على روسيا، وأوصى في كلمة له نائبته كامالا هاريس بمواصلة نهجه اتجاه روسيا ومواصلة دعم نظام كييف بالأسلحة والأموال لهزيمة روسيا حسب زعمه، داعياً إياها ألا تستسلم أبداً للرئيس بوتين إذا فازت بالانتخابات الرئاسية في الخامس من تشرين الثاني على منافسها دونالد ترامب.
احتلال مناطق من كورسك التي شهدت جميع الأحداث والمعارك التي دارت في روسيا في الحرب العالمية الثانية، وقبل ذلك ضد المغول، كان بالدرجة الأولى بعد إعلان واشنطن عن تزويد أوكرانيا بطائرات F16، التي تريد واشنطن من خلالها تزويد نظام كييف بها للسيطرة على الأجواء الروسية، إضافة إلى استخدام أسلحة بريطانية وألمانية وطائرات ومسيرات أمريكية وتركية. تم استخدام كافة أنواع الأسلحة المتطورة التي يمتلكها الناتو في الهجوم على كورسك، حيث اعتبر الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو أن الهدف من هذا الهجوم كان دفع روسيا لاستخدام الأسلحة النووية وإشعال حرب عالمية ثالثة في أوروبا. إلا أن روسيا، التي تحقق أهدافها في الدونباس، تواصل تحرير البلدات التي دخلتها القوات الأوكرانية في كورسك، وهي بذلك ترد على إدارة بايدن وتجعلها تخسر رهاناتها لصالح المرشح الجمهوري دونالد ترامب، الذي وعد بإنهاء الحرب في أوكرانيا إذا فاز بالانتخابات.
ويبدو أن الهجوم على كورسك غير كل المعادلات، بعد أن أعلنت موسكو أنه لا حوار ولا مفاوضات حالياً مع نظام كييف، وأن الحرب هي الميدان ولا مجال للمفاوضات، وأن المعارك ستتسع وتزداد بعد كورسك على كل المحاور والجبهات. ولدى الجيش الروسي القدرة والإرادة للحسم في الميدان.