واشنطن تسعى لتمرير صفقة تبادل الأسرى ونتنياهو يخطط لتفجير المفاوضات وحرمان كامالا هاريس من الاستثمار في الصفقة، وحماس ترفض التنازل عن السقف الذي حددته وهو الانسحاب الكامل من غزة.
لا تزال الشكوك تتزايد حول إمكانية التوصل إلى صفقة لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بين حماس وكيان الاحتلال، بالرغم من أجواء التفاؤل التي تحاول إدارة بايدن الديمقراطية إشاعتها بشأن احتمالات التوصل إلى هذه الصفقة لإخراج الحزب الديمقراطي من المأزق الذي يمر به جراء العدوان الإسرائيلي على غزة وفشل إدارة بايدن في وقف العدوان ومشاركتها في جرائم الإبادة الجماعية ضد أبناء القطاع المنكوب، وما يتركه ذلك من تأثيرات سلبية على حملة كامالا هاريس الانتخابية.
رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو هو الوحيد من بين جميع الأطراف المشاركة في المفاوضات يتحين الفرصة لتفجيرها كما كان يفعل خلال الأشهر الأحد عشر الماضية وذلك من خلال رفضه الانسحاب من معبر رفح ونتساريم ومحور فيلادلفيا، مع علمه بأن حماس لن تتنازل عن السقف الذي وضعته في الثاني من تموز الماضي وهو الانسحاب الكامل من قطاع غزة.
ومع أن حركة حماس لا تشارك في المفاوضات في القاهرة، إلا أن رئيس الوفد المصري عباس كامل، مدير المخابرات، سيقوم بإطلاع وفد حماس الذي يزور القاهرة برئاسة خليل الحية على نتائج المفاوضات التي تمر بلحظة حرجة، ويعدها الكثير من المحللين والمراقبين الفرصة الأخيرة لعقد صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل. قبل ذلك، لابد من الاتفاق بين مصر وكيان الاحتلال حول الترتيبات الأمنية في محور فيلادلفيا، التي وعدت إسرائيل بالانسحاب الجزئي منه، حيث تطالب مصر بالانسحاب لمسافة كيلومتر بينما قررت إسرائيل الانسحاب لأقل من ذلك بكثير.
من خارج المفاوضات، جاء الموقف الإيراني الذي عبر عنه وزير الخارجية الجديد عباس عرقجي، الذي دعا بصريح العبارة إلى مشاركة بلاده في المفاوضات كونها شريكا في الميدان. أعلن عرقجي أن طهران ستبقى تدعم محور المقاومة بشكل دائم وفي كل الظروف، مشددًا على أن مواقف إيران حيال المقاومة لن تتغير.
الموقف يتزامن مع ذروة الاستنفار في إسرائيل للرد الإيراني المرتقب، الذي أكدت الحكومة الجديدة أنه حتمي انتقامًا وثأرًا لاغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية، الذي اغتيل في طهران في الحادي والثلاثين من تموز الماضي. ومع أن هذه القضية منفصلة عن المفاوضات في القاهرة، إلا أنها تشكل عامل ضغط على إدارة بايدن التي تسعى لامتصاص الرد الإيراني من أجل منع توسيع الحرب لأن ذلك يضر بالحملة الانتخابية لكامالا هاريس ولحظوظ الحزب الديمقراطي بالفوز في الانتخابات الرئاسية في الخامس من تشرين الثاني القادم.
وسط هذه المعمعة والتشابكات المحلية والإقليمية والدولية، تواجه حكومة إسرائيل برئاسة بنيامين نتنياهو مأزقًا داخليًا مزدوجًا يحول دون التوصل إلى صفقة لتبادل الأسرى ووقف إطلاق النار في غزة. فمن جهة، تطفو على السطح الخلافات العميقة بين إدارة بايدن وحكومة نتنياهو التي أفشلت كل الجهود الأمريكية بسبب رفضها الانسحاب ووقف إطلاق النار، والإصرار على مواصلة الحرب، وكان بايدن وإدارته عاجزين عن ممارسة الضغوط على نتنياهو بسبب الانتخابات الرئاسية وحاجة الحزب الديمقراطي إلى دعم اللوبيات اليهودية في الولايات المتحدة. ولو كانت الحرب في زمن غير زمن الانتخابات الأمريكية، ربما كان التأثير الأمريكي في مجرياتها أكبر وأقوى.
اليوم، مع افتتاح اجتماع القاهرة، فإن الرئيس الأمريكي جو بايدن طالب نتنياهو بالانسحاب من معبر فيلادلفيا مع مصر بشكل جزئي، لأن نتنياهو رفض الانسحاب من فيلادلفيا بشكل كامل، وذلك لتسهيل إبرام اتفاق وترتيبات أمنية بين مصر وإسرائيل. هذه الترتيبات لا علاقة لها بالصفقة بين حماس وإسرائيل، وحاجة الحزب الديمقراطي الحاكم في أمريكا إلى تحقيق إنجاز كتوقيع صفقة التبادل بما يخدم الحملة الانتخابية لكامالا هاريس، والتي دعت في كلمتها أمام مؤتمر الحزب إلى وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى.
عدا عن الضغوط الأمريكية التي تستطيع حكومة نتنياهو امتصاصها حتى الآن، تواجه هذه الحكومة مشكلات داخلية متعددة الأوجه تتعلق بالخلافات الكبيرة مع وزير الحرب يواف غالانت، ويتجه نتنياهو بشكل جدي لإقالته من منصبه، بالإضافة إلى الخلافات بين رئيس الشاباك رونين بار والوزيرين سموتريتش وبن غفير، حيث يريد الوزيران العنصريان إطلاق أيديهما لترويع وتهجير أبناء الضفة الغربية.
حماس، التي من المفترض أن تشارك في جولة القاهرة غدًا، تدرك جيدًا أن أي صفقة تبادل ستؤدي بالضرورة إلى تفجير حكومة نتنياهو، في وقت تشير استطلاعات الرأي إلى أن نتنياهو لن يحصل إلا على 24 مقعدًا في أحسن تقدير، ويتقدم عليه بيني غانتس الذي ينافسه على رئاسة الحكومة منذ بداية الحرب.
اجتماع القاهرة المرتقب يأتي بعد إعلان واشنطن أن الحرب على غزة استنفدت كل أهدافها ووقتها وحان الوقت لإيقافها، فيما أعلنت حماس أنها متمسكة بورقة الثاني من تموز وأنها تنتظر اجتماع القاهرة للاطلاع على نتائج المفاوضات، وأكدت أن دور الوسطاء ليس نقل الرسائل فقط وإنما ضمان التعهدات، حيث إن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار يعطي أفضلية لحملة كامالا هاريس الانتخابية، وهي تعتقد أن الصفقة تحسن من وضعها الانتخابي أمام منافسها الجمهوري دونالد ترامب.