مر يوم أمس الثلاثاء كأي يوم آخر من أيام الأسبوع، لا أعتقد أن الشارع شعر بفراغ ما، الحكومة (حكومة تسيير الأعمال لم تعقد اجتماعها الاسبوعي الذي دأبت على عقده طيلة السنوات الاربع السابقة)، هو الأسبوع الثالث على دخول حكومة المهندس حسين عرنوس مرحلة تسيير الأعمال، غالباً وفاة والد رئيس مجلس الوزراء كانت سبباً لعدم عقد الجلسة، فالرجل منشغل بتلقي التعازي وهذا حقه وواجبه تجاه والده، وواجبنا تقديم العزاء للسيد عرنوس واسرته الكريمة.
ولا مرة كانت هناك تسريبات تظهر أن مسالة مصيرية احتدم حولها النقاش، المجلس موافق يعني أن الكل موافق، كل الوزراء على قلب واحد، كلهم يؤيدون نفس الفكرة، ومقتنعون بنفس الحل!
على كل حال، هنا لا نريد مناقشة سبب عدم انعقاد الجلسة، إنما مناقشة الجسلة الأسبوعية بحد ذاتها، هل كانت فعلاً بذلك الثقل الذي يجعلنا نلقي بالاً لانعقادها من عدمه؟، هل كانت حدثاً أسبوعياً وازناً تستنفر لأجله وسائل الإعلام؟، ببساطة.. هل كانت علامة فارقة في أسبوع السوريين؟، وكي لا نظلم الجلسة كعرف حكومي اتبعته وتتبعه كل الحكومات السابقة وربما اللاحقة، فنحن لا نافذة لنا لنطل على مجريات تلك الجلسة سوى الخبر الرسمي المقتضب، واذا أخذنا هذا الخبر كمعيار لأهيمة الجلسة، نخرج بنتيجة صفر أهمية، هي جلسة توجيهية، يوجه رئيس الجلسة الوزراء بتادية مهامهم الطبيعية بحكم المنصب، قراراتها ليست ذات بعد ملموس، فالقرارات الوازنة لا تصدر عنها، إنما تصدر عن الوزارات بعد أن تكون أشبعت نقاشات (بريدية) بين الوزارات المعنية، ربما تحصل نقاشات خلال الجلسة، هذا ما لا يذكره لنا الخبر الرسمي، ولا مرة كانت هناك تسريبات تظهر أن مسالة مصيرية احتدم حولها النقاش، المجلس موافق يعني أن الكل موافق، كل الوزراء على قلب واحد، كلهم يؤيدون نفس الفكرة، ومقتنعون بنفس الحل!.
ضخ الدماء الجديدة في الجسم الحكومي ليس بالضرورة سـيأتي بالمفيد، ولنا في الحكومات السابقة خلال سنوات الازمة تجارب مريرة!
ما تقدم ليس له أهمية، فالجلسة بحد ذاتها ليست معياراً لتقييم حكومة، إنما توطئة، لطرح سؤال: هل حقاً نحتاج حكومة جديدة ووزراء جدد؟، الجواب التقليدي لهذا السؤال سهل: نعم نحتاج، لأن التغيير سمة الحياة والدماء الجديدة مطلوبة في كل مرحلة، إذاً لنعدل صيغة السؤال: لماذا نحتاج إلى حكومة جديدة بوزراء جدد؟، لا اعتقد انه من المنصف أن تتشابه الاجابة على السؤالين، فنحن بوضع اقتصادي ومعيشي واجتماعي، لا يسمح أن ياتي التغيير لمجرد التغيير، ولا يسمح بالتجريب، بمعنى أن ضخ الدماء الجديدة في الجسم الحكومي ليس بالضرورة سـيأتي بالمفيد، ولنا في الحكومات السابقة خلال سنوات الازمة تجارب مريرة، تغيرت كثير من الاسماء والوجوه، وزراء أمضوا أشهراً فقط في مناصبهم، وزارات على ذمتها ثمانية او تسعة وزراء في غضون 10 سنوات، ماذا كانت النتيجة؟، بدايات صفرية، عودة على نفس الأخطاء، تكرار نفس الوعود، ثم اجترار نفس مبررات الفشل في تحقيق تلك الوعود، هذا ما لا نريده ولا نحتاجه ولا حتى نطيقه.
إذا نعود للسؤال: لماذا نحتاج حكومة جديدة بوزراء جدد؟.
الحقيقة أن الحكومة الحالية بوزرائها، وباغلبيتهم كي لا نقول كلهم، أصبحوا مستهلكين بفتح اللام، بمعنى انه حتى لو أتيحت لهم مساحة اوسع للتميز والاجتهاد في مجال عملهم سوف لن يكونوا قادرين على فعل شيء، لسبب بسيط، هو أن عقلية الموظف الذي ينتظر الأوامر والتوجيهات ترسخت في قناعاتهم وعقولهم، هذه التشكيلة الحكومة قسم منها جديد، وقسم منها عاصر الحكومة السابقة، اقصد حكومة المهندس عماد خميس، التي كان الوزير في عهدها يعود لرئيس الحكومة في كل شاردة وواردة، عندما تولى عرنوس رئاسة الحكومة، اذكر انه اصدر تعميماً للوزراء بعدم العودة لرئاسة المجلس إلا في الأمور التي تتطلب ذلك، ومع ذلك لم يحفز هذا التعميم عند اغلب الوزراء حس الاجتهاد والمبادرة، حتى الوزراء الجدد تاقلموا سريعاً مع عقلية الوظف السائدة، قد يسأل سائل، كيف حكمت على ذلك؟، أجيب: “منذ اربع سنوات لم يحقق أي وزير اختراق مؤثر في ملف واحد عالق في وزارته، لم يتبنى وزير واحد قرار مؤثر على صعيد عمله ثم تحمل مسؤولية فشله أو صفق له الجمهور لنجاحه، لم يلمع اسم اي وزير كصاحب فكر مختلف ونظرة ثاقبة، ولا حتى سمعنا بشى من هذا القبيل في العشر سنوات السابقة.
عندما تولى عرنوس رئاسة الحكومة، اذكر انه اصدر تعميماً للوزراء بعدم العودة لرئاسة المجلس إلا في الأمور التي تتطلب ذلك، ومع ذلك لم يحفز هذا التعميم عند اغلب الوزراء حس الاجتهاد والمبادرة، حتى الوزراء الجدد تاقلموا سريعاً مع عقلية الوظف السائدة
قد يقول قائل إن هامش الوزراء في العمل ضيق، هذا صحيح، لكن من اعتاد العمل في الهامش الضيق لسنوات، وركن للاسترخاء في هذا الهامش الضيق، هل سينجح في الطيران والتحليق إذا ما فتح له الهامش على مصراعيه؟، أشك في ذلك، قد يسأل سائل، هناك وزراء امضو خمس او ست سنوات في مناصبهم لم يسجل في حقهم اي خطأ يذكر، هل هؤلاء يجب تغييرهم رغم الخبرة التي اكتسبوها؟، الجواب: نعم يمكن تغييرهم، ونعكس السؤال: هل عملوا واجتهدو ليخطئوا ويصيبوا؟، ما هذه الخبرة التي تاتي فقط من خلال توقيع البريد اليومي، وانتظار توجهات الجلسة الأسبوعية؟.
مرة أخرى نسأل، لماذا نحتاج إلى حكومة جديدة ووزراء جدد؟!
لأجل كل ما سبق، ولأننا في مرحلة تغيير، بدأت من من حزب البعث الحاكم، ولأننا نحتاج أن نشعر بانعكاس هذ التغيير في الحزب صاحب الكتلة الأكبر في مجلس الشعب على مختلف جوانب العمل الحكومي، فإننا نحتاج إلى حكومة جديدة ووزراء جدد، ببساطة نحتاج إلى التغيير والتجدد لأننا نحتاج إلى الأمل.
فهد كنجو