في حديثه لشبكة شام نيوز إنفو على إذاعة ميلودي إف إم، تطرق الدكتور بشار طعمة إلى التصعيد الأمريكي في أوكرانيا، موضحا أن الولايات المتحدة تقود حربا بالوكالة ضد روسيا عبر حلف شمال الأطلسي (الناتو). وفقا لطعمة، فإن الحرب الدائرة في الأراضي الأوكرانية هي في الواقع مواجهة بين روسيا والناتو، حيث يشارك الحلف في دعم أوكرانيا ماديا وعسكريا، ما يخلق ضغطا على ميزانيات الدول الداعمة، التي بدأت تعاني من نقص في الموارد الاقتصادية.
أشار الدكتور طعمة إلى أن هذا الدعم الكبير لأوكرانيا أصبح نقطة جدلية في الساحة السياسية الأمريكية، حيث يتساءل المرشح الرئاسي دونالد ترامب عن مصير الأموال التي تُصرف لدعم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. ترامب يرى أن هذه الأموال تضيع دون جدوى ملموسة في الصراع مع روسيا، وهو ما يعكس موقفه المختلف عن الإدارة الديمقراطية الحالية.
العديد من الدول الأوروبية، بما في ذلك ألمانيا، أعادت توجيه ميزانياتها لدعم أوكرانيا وتسليح جيوشها، ما يعتبر تغييرا جذريا في سياساتها منذ الحرب العالمية الثانية. هذا الدعم المالي والعسكري الكبير يهدف لتحقيق إنجازات سياسية في مواجهة روسيا. في هذا السياق، يبرز حادث كورسك كحدث تاريخي بالغ الأهمية، حيث تعرضت الأراضي الروسية لأول ضربة عسكرية منذ عام 1945 وبأسلحة أمريكية، مما يثير جدلا واسعا حول تطور هذه الحرب وما تحمله من تداعيات خطيرة.
لكن الدكتور طعمة يرى أن التهويل الإعلامي حول حروب طاحنة في بعض المناطق الأوكرانية، مثل كورسك، ليس سوى مبالغة. فروسيا لم تكن تحتفظ بأعداد كبيرة من الجنود هناك بسبب الطبيعة الجغرافية للمنطقة، وبالتالي فإن الحديث عن خسائر روسية كبيرة غير واقعي. وفي ظل تصاعد الضغوط من الحلفاء الأوكرانيين، يسعى زيلينسكي الآن إلى تقديم إنجازات سياسية على الأرض رغم المعارضة الداخلية والخارجية.
من جانب آخر، يرى الدكتور طعمة أن الانتخابات الأمريكية تلعب دورا كبيرا في هذا التصعيد، حيث يستغل الديمقراطيون الصراع الأوكراني كأداة لتحقيق مكاسب انتخابية. لكن اللافت هو أن السوق الأمريكي لتجارة الأسلحة، الذي يهيمن على العالم، لم يثبت فعاليته في مواجهة روسيا. فالحرب أوضحت عدم قدرة الغرب على فرض إرادته على “الدب الروسي”، ما دفع الدول الغربية لاستخدام أسلحة وتكنولوجيا متطورة، مثل الجيل الرابع من الأسلحة، لإثبات تفوقها العسكري.
روسيا من جهتها، تستمر في تعزيز موقعها السياسي والعسكري رغم كل المحاولات لاستنزافها. هي تدرك تماما أنها تخوض حربا ضد الناتو، وتعمل على تطوير قدراتها الذاتية، خصوصا من خلال تعزيز العلاقات مع الصين والتخلص من التعامل بالدولار في التجارة الدولية. ورغم أن موسكو كانت تفضل الحلول السلمية والمفاوضات في البداية، إلا أن واشنطن أصرت على تأزيم الموقف وعزل روسيا بهدف إضعافها، وهو ما لم يتحقق حتى الآن.
الدكتور طعمة يؤكد أن ألمانيا تلعب دورا رئيسيا في هذا الصراع، بالتعاون مع الولايات المتحدة، حيث تقود القرار الأوروبي ضد روسيا. ولكن رغم هذا التعاون الاستراتيجي، هناك احتمال لتغيير في التكتيك والأسلوب. فالولايات المتحدة ترى أن الحرب في أوكرانيا تتعدى كونها صراعا محليا؛ هي حرب وجودية بالنسبة لبعض الدول الأوروبية. في حال انتصرت روسيا، فقد تؤدي إلى توسع نفوذها نحو دول أخرى، ما يجعل الصراع بالنسبة للدول الأوروبية معركة وجودية.
على الصعيد الشعبي، هناك رفض متزايد لهذا الصراع في أوروبا، خاصة في ظل التبعات الاقتصادية الوخيمة. الاحتجاجات في فرنسا، التي تتزايد يوميا، هي دليل واضح على أن الشعوب الأوروبية لم تعد تتحمل كلفة هذه الحرب. فرنسا، على وجه الخصوص، تعاني من مشاكل بنيوية واقتصادية كبيرة، وزيادة نفوذ الأحزاب المتطرفة يعكس هشاشة النظام السياسي الأوروبي بشكل عام. في هذا السياق، يرى الدكتور طعمة أن الاتحاد الأوروبي بات اتحادا ضعيفا سياسيا واقتصاديا.
أما بالنسبة لفرنسا، فقد فقدت نفوذها في العديد من المناطق، خاصة في أفريقيا، وهو ما يزيد من الضغوط على الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي حاول مرارا وتكرارا الدعوة إلى تشكيل جيش أوروبي مشترك، ولكن هذه الفكرة لا تلقى قبولا من الولايات المتحدة. الدكتور طعمة يرى أن الولايات المتحدة تدعم هذه الاحتجاجات بشكل غير مباشر لمنع أي محاولة للتغريد خارج السرب الأوروبي.
وفيما يتعلق ببريطانيا، يرى الدكتور طعمة أن الوضع هناك يشير إلى احتمال نشوب حرب أهلية، خاصة مع تزايد التوترات الداخلية. بريطانيا دائما ما كانت “الخنجر في ظهر العالم”، على حد تعبيره، حيث تلعب دورا تخريبيا في العديد من الصراعات الدولية. الإسلام السياسي، على سبيل المثال، يعتبر من صنع بريطانيا، كما أن العديد من المشاريع التخريبية والفوضوية تعود جذورها إلى بريطانيا.