اتفاق العاشر من آذار يترنح.. والحكومة تهاجم اجتماع المكونات السورية في الحسكة.. ومشيخة العقل ترفض المشاركة في اجتماع عمان الثلاثي السوري الأردني الأمريكي…
تكثفت الاجتماعات حول سورية، وعادت الأزمة السورية إلى مجلس الأمن بعد سلسلة الانتكاسات وأعمال العنف والفوضى التي وقعت في السويداء وقبلها في الساحل السوري جراء استعار الحرب الطائفية. وفي هذا الإطار، عقد ممثلو الأقليات اجتماعين، أحدهما تحت عنوان مؤتمر المكونات السورية في الحسكة بمشاركة الأحزاب والقوى الكردية وقيادة قسد ممثلة بالهام أحمد، وممثلين عن الدروز والمسيحيين والعلويين واليزيديين والآشوريين والقبائل العربية وعلى رأسها قبيلة طي الكبيرة. كما عقد ممثلو الأقليات في الخارج اجتماعًا في بروكسل تم خلاله مناقشة سبل الخروج من الوضع الراهن وعقد مؤتمر وطني في الداخل السوري وإقامة نظام حكم لامركزي يعتمد الحرية والديمقراطية وينهي التوترات الطائفية التي تفعلها الفصائل المنفلتة. ويأتي انعقاد المؤتمرين في الحسكة وبروكسل بمثابة رسالة سياسية إلى حكومة دمشق مفادها أن أحداث السويداء بلغت السيل الزبى، ولم يعد مقبولاً استمرار حالة الانفلات الأمني بعد ثمانية أشهر من انتصار الثورة…
الحكومة التي تولي اهتمامًا بالوضع الاقتصادي وعلاقاتها الخارجية على حساب الشأن الداخلي والسياسي، عبرت عن حالة من الامتعاض والغضب الشديدين من انعقاد مؤتمر المكونات السورية في الحسكة، واعتبرته محاولة لنسف كل ما تم إنجازه خلال الأشهر الثمانية الماضية منذ التحرير في الثامن من كانون الأول الماضي. وأشار بيان الحكومة الذي صدر بإسهاب إلى الموقف الذي اتخذته حكومة الشرع، واعتبرت المؤتمر محاولة لنسف اتفاق العاشر من آذار بين الرئيس الشرع ومظلوم عبدي والقاضي بدمج قوات سوريا الديمقراطية بالجيش. وهاجمت الحكومة في بيانها المؤتمر باعتباره محاولة لتقسيم سورية ولعبة دولية لزيادة الضغوط على الحكومة واستدعاء التدخل الأجنبي ومحاولة لتقسيم البلاد وتفكيكها لخدمة الأجندات الخارجية.
ولا شك أن السويداء التي وقفت إلى جانب الثورة واحتفلت بالتحرير، تساهم اليوم إلى جانب قسد في الحملة التحريضية التي تتعرض لها حكومة الشرع بعد الهجوم الذي تعرضت له المدينة من البدو والفصائل المنفلتة، والذي أسفر عن ارتكاب انتهاكات خطيرة وبخاصة في المشفى الوطني في السويداء. الأمر الذي استدعى عقد جلسة لمجلس الأمن تم خلالها إدانة الانتهاكات الجسيمة، مع أن المجلس أشار إلى إدانة الحكومة السورية لأعمال العنف التي استهدفت المدنيين في السويداء، وكان بذلك كمن يفسر الماء بعد الجهد بالماء. كما دعا مجلس الأمن لتطبيق القرار الأممي 2254 الذي يدعو إلى الحفاظ على وحدة سورية وسيادتها ووحدة أراضيها، في وقت تعيش فيه حالة من القلق والتوجس معظم الأوساط السورية بشأن مستقبل البلاد ودعوات الانفصال التي تطالب بها مشيخة عقل الموحدين الدروز، في وقت يجري في السويداء العمل على تشكيل بنية إدارية وسياسية خاصة بالمحافظة بدعم مباشر من إسرائيل التي أدخلت قوات كثيرة إلى مناطق في القنيطرة والسويداء ودرعا، ما يشير إلى أن وقف إطلاق النار في السويداء ربما لا يستمر، خاصة وقد رفض الدروز حضور الاجتماع الثلاثي الأمريكي الأردني السوري في عمان، وربما يزداد التدخل الإسرائيلي خلال الأيام القادمة بعد أن أعطى ترامب الضوء الأخضر لنتنياهو بالتصرف في غزة وسورية والمنطقة.
ومع أن مجلس الأمن أدان الخروقات الإسرائيلية، إلا أن الوقائع على الأرض تظهر دخول إسرائيل إلى داخل المعادلة السورية من خلال التنسيق والتعاون بين دروز إسرائيل برئاسة الشيخ موفق طريف ودروز سورية في مناطق الجنوب السوري، وذلك على حساب علاقات السويداء مع محيطها الوطني كنتيجة لحالة الرعب والخوف التي يعيشها أبناء السويداء الذين تعرضوا لهجوم واسع قامت به قبائل البدو بدعم من الفصائل المنفلتة المتطرفة في بداية تموز الماضي، ما أدى إلى مئات الضحايا من المدنيين قبل أن يتم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في الخامس عشر منه. إلا أن ما زاد الطين بلة هو التدخل الإسرائيلي المباشر والاعتداءات الإسرائيلية تحت ذريعة حماية الدروز، وما نتج عن هذا التدخل من حالات نزوح كثيفة وواسعة عن المدينة.
ويبدو أن قوات سورية الديمقراطية حاولت استغلال أحداث السويداء وتجييرها لصالحها للتهرب من استحقاقات المرحلة وتطبيق اتفاق العاشر من آذار، حيث عقدت مؤتمر المكونات السورية بالتزامن مع التوتر الشديد بين حكومة الشرع ومشيخة عقل الموحدين الدروز التي تطالب بنظام اللامركزية، الأمر الذي ترفضه الحكومة السورية رفضًا تامًا، خاصة وأنها تسعى لضم فصائل السويداء إلى الجيش السوري وحصر السلاح بأيدي الدولة وفق شعار “شعب واحد وجيش واحد وقيادة واحدة”…
وبالنظر إلى الدعوات الانفصالية التي أطلقها المشاركون في مؤتمر الحسكة، جاءت ردود الفعل على نتائج مؤتمر المكونات السورية غاضبة بعد أن ساهم انعقاده بزيادة الاستقطاب والانقسامات في الشارع السوري بين مؤيد ومعارض لمؤتمر الحسكة، حيث اعتبر البعض المؤتمر وصفة إسرائيلية لتفكيك سورية وتقسيمها، فيما راح البعض الآخر يفكر أن المؤتمر يعد مخرجًا لحالة الانسداد السياسي التي وصلت إليها سورية بعد أن فقدت الأطراف المختلفة الثقة بعضها ببعض، وبعد أن انقطع الحوار بين أبناء سورية ولجأ البعض إلى الاستقواء بالخارج. حيث اعتبرت الحكومة المؤتمر محاولة لنسف وتقويض اتفاق العاشر من آذار بين الحكومة وقسد. فيما أصدر المؤتمر الذي جمع أطرافًا متعددة من النسيج والمكونات السورية بيانًا ختاميًا اعتبر ما جرى في الساحل والسويداء جرائم حرب… وأكد البيان أن الإعلان الدستوري الراهن لا يلبّي تطلعات الشعب السوري، وأشار إلى ضرورة تطبيق نظام اللامركزية وتغيير الصيغة الحالية في علاقة المحافظات مع حكومة دمشق…
وفيما تحاول حكومة الشرع الهروب من الضغوط والوضع السياسي باتجاه جلب الاستثمارات والاهتمام بالوضع الاقتصادي، فإن الشارع السوري يحاول أن يستعيد هويته الوطنية التي تسعى أطراف عدة وخاصة إسرائيل لتقويضها وطمسها وخلق نموذج سوري جديد يخدم مشروع حكومة إسرائيل في المنطقة، خاصة بعد أن أعطت الولايات المتحدة الضوء الأخضر لحكومة نتنياهو الإرهابية لضرب الاستقرار النسبي في سورية وتفكيكها، باعتبارها تمثل صورة جميلة للتنوع الحضاري والديني وتجمع أبناءها منذ مئات السنين تحت هوية واحدة تجمع الطوائف والمذاهب والأعراق دون أن يفكر أحد لمجرد التفكير بالانفصال أو الفدرلة أو اللامركزية، مع وجود 27 طائفة وعرق تحت سقف الوطن.
ودعا البيان الختامي لمؤتمر المكونات السوري إلى عقد مؤتمر وطني سوري جامع وشامل تشارك فيه مختلف القوى الوطنية، واعتبر البيان أن تحقيق المصالحة الوطنية يتطلب إطلاق مسار فعلي للعدالة الانتقالية يقوم على كشف الحقيقة والمساءلة وجبر الضرر دون تمييز وضمان عدم تكرار حملات التحريض الممنهجة ضد الحكومة السورية. وانعدام الحوار بين الأطراف السورية بعد إعلان الحكومة رفضها المشاركة في اجتماعات باريس التي تجمع الحكومة وقسد وممثلين عن الولايات المتحدة وفرنسا يتسع، خاصة في ضوء الخلافات التي بدأت تطفو على السطح، خاصة بين السعودية والإمارات وروسيا وحتى إسرائيل والولايات المتحدة من جهة، وبين تركيا من جهة ثانية، حيث تغني كل جهة من هذه الجهات على ليلاها، وتظهر التناقضات الجذرية بين مصالح هذه الدول، حيث يريد الجميع إبعاد تركيا قدر المستطاع عن الساحة السورية، مع أن تركيا بعد التحرير أصبحت رقمًا صعبًا في المعادلة السورية تحتل مكانة الصدارة في النفوذ السياسي والمجتمعي في سورية بعد أن رسمت أنقرة مشروعها طوال خمسة عشر عامًا معتمدة على دعم الثورة السورية، وتعتبر نفسها منتصرة مع الحكومة السورية التي بدورها تسعى لاتباع سياسة متوازنة بين هذه الأطراف الدولية المتنافسة، ولكنها لن تستطيع أن تستمر حتى النهاية، فإما أن تكون مع تركيا أو مع الخليج. ويبدو أن الأردن والولايات المتحدة يتبعون طريقًا ثالثًا من خلال اجتماعات عمان لحل مشكلة السويداء بمعزل عن الوضع السوري.. ولكن على الجميع انتظار نتائج القمة الأمريكية الروسية في ألاسكا والتي ستحدد مستقبل المنطقة وبخاصة سورية لسنوات قادمة، خاصة أنه لا يوجد خلاف جوهري بين موسكو وواشنطن حول سورية، وتدعو الدولتان العظميان إلى تطبيق القرار 2254، وهذا ما أكد عليه مجلس الأمن في اجتماعه الأخير، وهذا القرار يدعو إلى الحوار بين السوريين وإلى عدم التدخل في شؤون سورية الداخلية وإلى المحافظة على وحدة سورية وسيادتها.
الغموض يلف المستقبل السياسي لسورية مع استمرار حملات التحريض ضد الحكومة التي تحاول إعطاء الأولوية للوضع الاقتصادي، وهو ما يزيد الخلافات مع الأقليات التي بدأت تفقد الثقة بإمكانية التوصل إلى حلول في ضوء الاستقطاب الدولي الحاد بشأن سورية. ولا بد من انتظار انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة والتي سيشارك فيها الرئيس الشرع لأول مرة منذ ثلاثين عامًا.
ولا بد من الإشارة إلى أن إدارة ترامب تتجه للتخلي عن قسد في اللحظة المناسبة، كما تخلت عنها خلال العمليات الثلاثة التي قامت بها تركيا في السابق ضد الأكراد في عفرين وجرابلس ومنبج. وما ينتظر سورية رهن بتطور العلاقات الأمريكية السورية وبدرجة أقل العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة. إن تركيا وإسرائيل لكل منهما مشروعه الخاص في سورية، والرهان الأول والأخير على إرادة الشعب السوري: وحدة أو انقسام…