مع اقتراب الانتخابات الأمريكية، فإن موضوعات التمايز في السياسة الخارجية للولايات المتحدة بين الحزبين الديمقراطي الحاكم والجمهوري تبدو واضحة أمام الرأي العام العالمي، فيما تبقى المنافسة بين المرشحين على الملفات والقضايا الداخلية شأن داخلي يهم الناخب الأمريكي بدرجة أكبر وربما يكون الأساس في تحديد خيارات الناخبين في نهاية المطاف.
تصريحات المرشح الجمهوري دونالد ترامب بشأن مستقبل إسرائيل إذا ما خسر الانتخابات تقابلها تصريحات كامالا هاريس بشأن مستقبل أوكرانيا إذا ما خسرت الانتخابات. كلا المرشحين يخاطب الجمهور في الداخل كما يخاطب الرأي العام العالمي بما يعتقد أنه يجلب له المزيد من الأصوات، وبما أن السلطة اليوم بيد الديمقراطيين فإن حدود تأثير الجمهوريين والمرشح ترامب ضئيلة بما يمكن أن يفعله الديمقراطيون وإدارة بايدن خلال الفترة المتبقية على موعد الانتخابات الأمريكية في الخامس من تشرين الثاني القادم.
بنظرة سريعة إلى الأجواء التي خلقتها الدعاية الانتخابية لكلا الحزبين، يمكن أن نصل إلى نتيجة مؤلمة بالنسبة للجمهور والرأي العام العالمي. فالسباق في كلا الحالين يتجه إلى تأجيل الحروب. فإذا ما فاز ترامب، فإنه يريد أن يضع يده بيد نتنياهو الذي ينتظر فوزه بفارغ الصبر ليشعل نار الحرب هنا في منطقة الشرق الأوسط لدعم إسرائيل ومنع فنائها عن الوجود كما قال. وهو يحذر العالم من أنه إذا لم يفز بالانتخابات فإن إسرائيل لن تبقى على قيد الوجود. وهذا يعني أنه سيستخدم كل القوة الأمريكية اللازمة لإبقاء نتنياهو في الحكم. فالعلاقات بين نتنياهو وترامب على درجة كبيرة من الوفاق بعكس العلاقات المتوترة بين بايدن ونتنياهو، وربما ينجح ترامب في إعطاء انطباع بأن فوزه سينقذ إسرائيل من تهديد وجودي، وهذا ابتكار جديد في الحملات الانتخابية مع أن إسرائيل هي التي تهدد جيرانها وهي التي ترتكب الجرائم التي يندد بها العالم في غزة والضفة الغربية ولبنان واليمن وسوريا.
على الجبهة المقابلة، فإن ترامب يحاول أن يقدم رؤية مختلفة حول الحرب في أوكرانيا وفق اعتقاده بأنه من المستحيل انتصار أوكرانيا على الدولة التي هزمت هتلر ونابليون. ولهذا فإن ترامب عندما يصل إلى الحكم فإنه لن يقوم بتسليح القوات الأوكرانية ولن يرسل المرتزقة لاحتلال وقصف الأراضي الروسية، وقد تعهد بإيجاد حلول سلمية ووقف الحرب هناك وفق الواقع الراهن الذي فرضته المعارك التي حقق خلالها الروس انتصارات هامة باستعادة الأقاليم الأربعة. ومع أن الرد الروسي على الهجوم الإرهابي الأوكراني- الأطلسي على كورسك كان إشارة على أن روسيا لا تريد توسيع الحرب إلى أوروبا، ولهذا تعاملت مع الهجوم بأعصاب باردة دون أن تنجرف خلف الاستفزازات بما يحقق الأهداف الأمريكية وخطط إدارة بايدن التي تحاول استخدام كل الأوراق التي بيدها لتخرج روسيا عن طورها، إلا أن الرئيس بوتين لا يزال يجمع النقاط سياسيا وعسكريا واقتصاديا ويدعو إلى عالم مختلف، عالم يسود فيه السلام والقانون لا شريعة الغاب التي يعممها الرئيس بايدن وهو يحاول أن يمنح الشرعية والقانونية لهذه الجريمة بتزويد أوكرانيا بصواريخ بعيدة المدى من نوع اتاكمز لقصف العمق الروسي. ويأتي قرار البرلمان الأوروبي بتأييد قصف الأراضي الروسية بصواريخ اتاكمز الأمريكية ليشكل مؤشرا في خضم الانتخابات الأمريكية. فموقف كهذا من الواضح أنه موقف عدواني اتجاه روسيا ينسجم مع إدارة بايدن التي تسعى لتعزيز فرص نجاح هاريس. ولكن على الجميع أن ينتظر حتى موعد الانتخابات وعلى الجميع أن يأخذ بعين الاعتبار التظاهرات العارمة التي خرجت ضد إدارة بايدن استنكارا لدعمها الحروب في غزة وأوكرانيا.
من جهة ثانية، فإن موقف البرلمان الأوروبي هذا يعزز التبعية الأوروبية للولايات المتحدة. وقد استهجنت روسيا هذا الموقف، وأكد رئيس مجلس “الدوما” الروسي فياتشيسلاف فولودين أن دعوة البرلمان الأوروبي لتوجيه ضربات ضد روسيا بأسلحة غربية ستؤدي إلى حرب عالمية نووية.
ورغم أن بريطانيا تتقدم الصفوف الأوروبية في عداء روسيا والدعوة لتوسيع الحرب، فقد كانت الأصوات في الداخل البريطاني واسعة للتحذير من خطورة هذا التصعيد. وقد حذر زعيم حزب الإصلاح البريطاني اليميني نايجل فاراج من أن حصول أوكرانيا على إذن باستخدام صواريخ غربية بعيدة المدى لضرب عمق الأراضي الروسية سيؤدي إلى تصعيد خطير، لا سيما أن دول الناتو لا تناقش استخدام الأسلحة بعيدة المدى فحسب بل تناقش الاشتراك بشكل مباشر بالصراع الأوكراني. الأمر الذي قابله الرئيس بوتين بالتصريح بأن المشاركة المباشرة للدول الغربية في الصراع الأوكراني ستغير جوهره، وستضطر روسيا إلى اتخاذ قرارات بناء على التهديدات التي تواجهها بهذه الطريقة.
مع أن قرارات البرلمان الأوروبي استشارية إلا أنها دليل على أن أوروبا تفقد أي وزن لها وتحاول أن تبقى داخل العربة الأمريكية، وأن تظهر معارضة شديدة للمرشح الجمهوري ترامب من خلال دعم الحملات الانتخابية والمواقف التي تعلنها المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس والتي تظهر الاتحاد الأوروبي دون هوية ومجرد تابع لإدارة بايدن التي تراهن على هزيمة روسيا من خلال دعمها اللامحدود لنظام زيلينسكي النازي.
يحيى كوسا