أكد مندوب سورية الدائم لدى الأمم المتحدة السفير قصي الضحاك وجوب قيام مجلس الأمن بشكل جاد وعاجل بالعمل على الوقف الفوري للعدوان الإسرائيلي على فلسطين وسورية ولبنان وإنهاء المعاناة المستمرة في غزة والدم النازف في المنطقة التي وصلت إلى شفا حرب مدمرة، مشيراً إلى أنه ما كنا لنصل إلى ما وصلنا إليه لو أوقف المجلس العدوان الإسرائيلي تنفيذاً لمسؤولياته في حفظ السلم والأمن الدوليين.
وفيما يلي النص الكامل للبيان الذي ألقاه السفير الضحاك اليوم خلال جلسة مجلس الأمن حول الحالة في الشرق الأوسط:
عقد مجلس الأمن على مدى الأيام الماضية جلسات متتالية لمناقشة العدوان الإسرائيلي المستمر على الشعب الفلسطيني وعلى دول منطقتنا، وما كنا لنصل إلى ما وصلنا إليه اليوم، ونعقد هذه الجلسة الطارئة وربما غيرها في الأيام القليلة القادمة، لو أن مجلسكم قام بمسؤولياته الأساسية في حفظ السلم والأمن الدوليين منذ بدء العدوان الإسرائيلي الهمجي على غزة.
لقد طالب معظم قادة وممثلي الدول الأعضاء الذين اعتلوا منبر الجمعية العامة خلال النقاش العام رفيع المستوى مجلس الأمن بالتحرك الفوري لوقف العدوان الهمجي الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني والاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على دول المنطقة، والتحرك لوضع قراراته ذات الصلة موضع التنفيذ لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية ووقف ممارساته الإجرامية المتواصلة منذ عقود، وقد عكست بياناتهم إرادة دولية حقيقية لوضع حد لتفلت كيان الاحتلال الإسرائيلي وهوسه بإشعال الحروب وإراقة الدماء، وقوبلت تلك المطالبات بإمعان مجرمي الحرب الإسرائيليين في أعمالهم العدوانية الإجرامية في فلسطين وسورية ولبنان، ومفاخرتهم بازدرائهم للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وكيل الاتهامات لمنظمتنا ومحاولة ترهيب ممثليها ووكالاتها بما فيها الأونروا.
إننا نجتمع اليوم وقد وصلت منطقتنا بالفعل إلى شفا حرب مدمرة لا تستثني أحداً، ولم يعد من المقبول أن يقتصر رد فعل مجلس الأمن على مجرد عقد الجلسة تلو الأخرى، دون اعتماد أي مخرجات تفضي لتحرك جاد وملموس.
وإذا أردنا أن نكون أكثر تحديداً فإن إحجام الولايات المتحدة عن لجم هذا الجنون الإسرائيلي لا بل دعمه وتشجيعه، ومنعها مجلس الأمن من القيام بدوره في حفظ السلم والأمن الدوليين، هو الذي دفع بالأوضاع إلى هذه المرحلة الخطيرة، ولا يمكن للإدارة الأمريكية أن تنفي مسؤوليتها عبر الإدلاء ببيانات للإعراب عن القلق، أو التحذير من خطورة التصعيد، والدعوة إلى ضبط النفس، وهي تمضي في الوقت نفسه في تقديم الدعم اللامحدود المتعدد الأوجه لكيان الاحتلال الإسرائيلي، والتعهد المطلق بحمايته من المساءلة وتمكينه من الإفلات من العقاب.
لم تكتف سلطات الاحتلال الإسرائيلي بعشرات آلاف الأرواح التي أزهقتها، والدماء التي أراقتها، والبنى التي دمرتها في فلسطين المحتلة، بل إنها واصلت مساعيها لتصعيد الأوضاع في المنطقة والدفع بها نحو حرب شاملة من خلال مواصلة اعتداءاتها على دول المنطقة ومنها بلادي سورية، حيث شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي اعتداءات متكررة طالت المدنيين الآمنين والمنشآت المدنية والأبنية السكنية لا بل حتى المقرات الدبلوماسية، وقد استهدف آخر تلك الاعتداءات، فجر يوم الاثنين، وبالطيران الحربي والمسير عدداً من المناطق والأحياء السكنية الآمنة في مدينة دمشق، ما أدى إلى استشهاد ثلاثة مدنيين بينهم صحفية وإصابة تسعة آخرين، ووقوع أضرار كبيرة في الممتلكات، وقبل قليل استهدف عدوان إسرائيلي آخر مبنى سكنياً في دمشق، وأدى في حصيلة أولية إلى استشهاد ثلاثة أشخاص وإصابة آخرين.
وفي لبنان الشقيق، وبعد استخدام سلطات الاحتلال المجرمة أجهزة اتصالات مدنية للقتل الجماعي، فإنها عمدت لحشد قواتها تمهيدا لغزو بري لجنوبه، وقامت بعدوان غادر وجبان استهدفت فيه بعشرات القنابل المحملة بأطنان من المواد المتفجرة عددا من الأبنية السكنية في الضاحية الجنوبية لبيروت بهدف اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الذي قاد مقاومة وطنية لبنانية مشرفة ضد الاحتلال الإسرائيلي.
إن كل هذه الأشكال المختلفة من العدوان الإسرائيلي البربري والوحشي على منطقتنا قد ارتكبت أيضاً بالتزامن مع المناقشة العامة للأسبوع رفيع المستوى للجمعية العامة، بما يعكس ازدراء “إسرائيل” للمنظمة ولمطالبات دولها الأعضاء، لا بل إن ما يسمى “رئيس الحكومة الإسرائيلية” قد فاخر باتخاذه لقرار العدوان على ضاحية بيروت الجنوبية من هنا من نيويورك، بعد أن مارس حملة دعائية وكما هائلاً من الكذب والتضليل في كلمته التي رفضت غالبية وفود الدول الأعضاء الاستماع لها.
تدين الجمهورية العربية السورية جميع أعمال العدوان الإسرائيلي المستمرة على دول المنطقة، وتجدد دعوتها مجلس الأمن للتحرك الفوري لوضع حد لهذا التفلت الإسرائيلي الذي يشعل المنطقة برمتها، ويهدد السلم والأمن الإقليميين والدوليين، وتجدد تأكيدها على حقها المشروع في الدفاع عن أرضها وشعبها بكل الوسائل التي يكفلها القانون الدولي.
كما تجدد بلادي التأكيد على وقوفها إلى جانب الشعبين الفلسطيني واللبناني الشقيقين، وتضامنها الكامل معهما، على الرغم من التحديات الجسيمة والأعباء التي تواجهها سورية جراء السياسات العدائية التي تتبعها دول غربية خدمة لـ “إسرائيل”، وعلى الرغم من التدابير القسرية اللاشرعية والحصار اللاإنساني، فإن سورية لن تدخر جهدا لتقديم المساعدة الإنسانية للأشقاء اللبنانيين، وقد حشدت الحكومة السورية ومؤسسات المجتمع الأهلي كل طاقاتها لمساعدة جميع القادمين من لبنان من سوريين ولبنانيين ورعايا دول ثالثة.
لقد نص الميثاق في مادته الـ 51 على حق الدول في الدفاع الشرعي عن النفس، وهو حق راسخ للدول والشعوب لا يملكه كيان الاحتلال الإسرائيلي بأي حال من الأحوال، وهذا ما أكدته محكمة العدل الدولية، لأن الاحتلال وما يمثله من أعمال عدوان هو الجريمة الأساس التي تحرم مرتكبيها من أي حقوق.
لقد مكن تقاعس مجلس الأمن كيان الاحتلال الإسرائيلي من تجاوز جميع الخطوط الحمراء، الأمر الذي دفع جمهورية إيران الإسلامية لممارسة حقها في الدفاع المشروع عن النفس استناداً للمادة الـ 51 ورداً على الأعمال العدوانية لكيان الاحتلال الإسرائيلي.
إن قيام إيران بالرد بعد فترة طويلة من ضبط النفس والعمل على تلافي المزيد من التصعيد، واقتصار ردها على منشآت عسكرية وأمنية فقط، يؤكد نهج إيران المسؤول تجاه السلم والأمن الإقليمي والدولي.
ومن غير المستغرب ما سمعناه من ممثلة الإدارة الأمريكية وعدد من حلفائها من انتقادات للرد الإيراني، إذ إن تلك الدول ترى في مواد الميثاق أداة توظفها كما تشاء لاستهداف خصومها وحماية شركائها، وقد استمعنا جميعاً لممثلي الإدارات الأمريكية المتعاقبة وهم يقدمون التفسيرات المشوهة والمغلوطة للمادة الـ 51 من الميثاق لتبرير شن أعمال عدوان على دول تبعد عنها آلاف الأميال واحتلال أراضيها ونهب ثرواتها بذريعة “الحفاظ على الأمن القومي الأمريكي” أو “مكافحة الإرهاب”، في حين ينكرون على دول أخرى حقها الشرعي في الدفاع عن النفس وعن حدودها المباشرة وضد عدوان حقيقي قائم عليها.
لقد قال ممثلو الدول الأعضاء الذين اعتلوا منصة الجمعية العامة خلال الأيام الماضية كلمتهم، وعلى المجلس أن يصغي ويعمل بشكل جاد وفوري لإنهاء المعاناة الإنسانية في غزة، والدم النازف في المنطقة، والوقف الفوري وغير المشروط للعدوان الإسرائيلي على فلسطين وسورية ولبنان، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية من خلال وضع قراراته ذات الصلة بالصراع العربي الإسرائيلي موضع التطبيق.