هل ترتكب إسرائيل خطأ يؤدي إلى إزالتها من الوجود؟ كيف نتوقع الرد الإيراني في حال قيام إسرائيل بشن عدوان على المنشآت النفطية وعلى مراكز القيادات الإيرانية؟
لم تصل صواريخ إيران الباليستية إلى قاعدة “نيفاطيم” العسكرية في بئر السبع، التي تبعد عن إيران أكثر من 2300 كم، حتى كانت التهديدات الإسرائيلية التي أطلقتها حكومة نتنياهو المتطرفة بقصف المنشآت النفطية الإيرانية واغتيال القيادات الإيرانية تملأ الأجواء والأسماع وتشغل وسائل الإعلام العربية والدولية.
وعلى الضفة الأخرى، كان التحدي الإيراني واضحاً بعد الضربات الإيرانية الناجحة ضد القواعد العسكرية الإسرائيلية في تل أبيب وبئر السبع وغوش دان، والتي وصفتها موسكو بأنها مجرد ضربات تنبيهية لإسرائيل. في وقت كان المرشد الأعلى السيد علي الخامنئي يؤبّن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله خلال خطبة الجمعة ويقول “ذهب جسداً وبقي فينا روحاً”.
وعلى ضوء التصعيد الإسرائيلي ضد إيران، راحت وسائل الإعلام تقارن بين القدرات العسكرية الإسرائيلية والإيرانية، ومع أنه لا مجال للمقارنة في المساحة وعدد السكان بين إيران وكيان الاحتلال الإسرائيلي المحكوم بالجغرافيا الضيقة التي تشكل نقطة ضعف قاتلة، عدا عن كونه يقع وسط بحر من الأعداء على الأقل لناحية الشعوب، وبخاصة بعد الصورة الإجرامية التي ترسخت في أذهان ملايين الناس حول العالم بسبب الفظائع التي ارتكبها ضد أطفال غزة خلال العام الماضي.
فإسرائيل، على عكس إيران الدولة المتجذرة في التاريخ، هي مجرد كيان هجين ومصطنع، مساحته محدودة. وحتى ضمن الحيز الجغرافي الضيق الذي تشغله، فإن منطقة تل أبيب وغوش دان تضم تقريباً أكثر من نصف عدد المستوطنين، وهذا مؤشر على مدى هشاشة الكيان أمام أي استهداف. فإذا ما قامت حرب، مهما كانت صغيرة ومحدودة، فإن جميع المستوطنين سيعيشون تفاصيلها ويتأثرون بها حتى لو كانت بعيدة عنهم، لأن مجرد سقوط الصواريخ أو القذائف من أي نوع كانت فوق المستوطنات والمدن الإسرائيلية يحمل دلالة سلبية بالعجز والإحباط بالنسبة لكل إسرائيلي.
ولا يمكن أن يتصور أحد الحرب البرية بين إيران وإسرائيل، في وقت تقاتل إسرائيل للقضاء على المقاومة في فلسطين ولبنان باعتبارها أذرعاً إيرانية، وتسعى قوات الاحتلال لتدمير هذه الأذرع كما تفعل في غزة منذ السابع من تشرين الأول عام 2023، وكما تفعل ضد لبنان لتدمير حزب الله. وربما تحتاج إسرائيل عاماً آخر حتى تسوّي الضاحية الجنوبية بالأرض لرمزيتها بالنسبة إلى المقاومة كما سوّت قطاع غزة بالأسلحة الأمريكية بالأرض، فيما كان العالم يتفرج عليها دون حراك وقد ارتكبت أكثر من أربعة آلاف جريمة بحق الفلسطينيين خلال العام الماضي. وقد بدأت منذ الثامن من أيلول الماضي مرحلة جديدة للانتقام من حزب الله والمقاومة اللبنانية، وتقصف وتقتل وترتكب المجازر وتدمّر كل شيء له علاقة بالحزب بعد اغتيال قياداته وعلى رأسهم الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله.
ولا شك أن استمرار الحرب وارتكاب المزيد من المجازر سيغضب إيران أكثر وسيجعلها تدخل الحرب مرغمة دفاعاً عن المقاومة. فكيف هو الحال إذا قامت إسرائيل بالاعتداء على إيران؟
ورغم وجود مصالح كبيرة لإيران في المنطقة ووجود علاقات تاريخية مع معظم دولها، إلا أن طريقة التعاطي الإيراني مع المقاومة في فلسطين ولبنان تأتي من منطلق مختلف عن تعاطيها مع السلطة الفلسطينية والدولة اللبنانية. فهي تدعم حركات المقاومة من منطلق رؤيتها لمصالحها السياسية وكذلك من منطلق المظلومية وكراهية الشعب الإيراني لكيان الاحتلال الإسرائيلي باعتباره كياناً مصطنعاً ومعتدياً على المقدسات الإسلامية وعلى القدس والأقصى. ولهذا فإن إيران، بعد انتصار الثورة عام 1979 بعد رحيل الشاه، قامت باستبدال سفارة فلسطين مكان السفارة الإسرائيلية، على عكس ما تفعله الولايات المتحدة التي تحاول تشجيع إسرائيل على ضم القدس والمستوطنات في الضفة الغربية والجولان السوري المحتل.
الأنظار تتجه إلى إسرائيل وماذا ستفعل وكيف سيكون ردها على الهجوم الصاروخي الإيراني الذي وقع مساء الاثنين الماضي، خاصة وأن حاملات الطائرات الأمريكية والبوارج الحربية الأمريكية بمساندة القوات البريطانية والفرنسية جاهزة في عرض البحر وداخل القواعد الأمريكية للدفاع عن إسرائيل ودعم عدوانها المرتقب على إيران.
ومع أنه بات من شبه المؤكد أن الحرب قائمة لا محالة بين إيران وإسرائيل، وأن إسرائيل ستقوم بقصف طهران بدعم أمريكي، إلا أن السؤال ماذا بعد القصف؟ وهل سترد إيران على الرد ليجد العالم نفسه أمام حرب كبيرة، خاصة وأن حسابات إسرائيل تتناقض كلياً مع حسابات إيران التي تتعاطى بهدوء ومسؤولية واتزان، على عكس إسرائيل المصابة بحالة من الجنون والهستيريا والتوحش التي تهدد ليس دول المنطقة فقط، بل تهدد الأمن والسلام الدوليين وتسعى لإشعال حرب عالمية ثالثة. لأن قصف إسرائيل لمنشآت نووية إيرانية ربما يجعل روسيا تدخل الحرب، كما قال جوزيف بوريل مسؤول الخارجية في الاتحاد الأوروبي.
فإسرائيل لديها قوات جوية كبيرة وأعداد ضخمة من الطائرات الحديثة مثل F-15 وF-35 الأمريكية الصنع، وبأعداد كبيرة تصل إلى 340 طائرة، عدا عن أن ترسانة السلاح الأمريكي والمخازن الأمريكية كلها تحت تصرفها. إلا أن هذا لا يغير من المعادلة شيئاً، فإيران تمتلك 320 طائرة، بعضها قديم، إلا أن لديها آلاف الصواريخ بعيدة المدى. كما أن إيران ترتبط بتحالفات استراتيجية مع روسيا، الدولة الأقوى عسكرياً على مستوى العالم، وهي التي حولت السلاح الغربي في أوكرانيا وخلال الحرب على الإرهاب في سورية إلى مجرد خردة لا قيمة لها. وخلال الأيام الماضية، قام المبعوث الخاص للرئيس بوتين إلى سورية، ألكسندر لافرنتييف، بزيارة طهران والتقى مستشار قائد الثورة علي أكبر ولايتي، وأكد أن الضربات الإيرانية تنبيهية لإسرائيل.
كما بحث سكرتير الأمن القومي الروسي سيرغي شويغو قبل أسابيع خلال زيارة طهران التعاون العسكري بين روسيا وإيران، وتسربت معلومات عن أن إيران ربما تحصل على منظومات صواريخ S-300 وS-400، التي تستطيع أن تتصدى لأي هجوم إسرائيلي وتفشله، وتمنع أي هجوم إسرائيلي مهما كان الدعم الغربي له. كما أن باكستان، الدولة النووية أيضاً، عرضت على إيران منحها صواريخ باليستية من نوع شاهين التي تستطيع أن تصل إلى إسرائيل ويبلغ مداها 2500 كم. وهذه الصواريخ لا يمكن للقبة الحديدية الإسرائيلية أن تعترضها، خاصة وأن إيران نجحت في اختبار القبة الحديدية مرتين خلال هذا العام: في الرابع عشر من نيسان بعد قصف إسرائيل للقنصلية الإيرانية بدمشق، وفي الأول من تشرين الأول بعد اغتيال إسرائيل للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله. وفي كلا الهجومين، نجحت الصواريخ الإيرانية في اختراق القبة الحديدية وأصابت أهدافها، وكان نجاح الضربات الأخيرة شبه كامل، فقد وصل 80 بالمئة من الصواريخ الإيرانية، التي بلغت 180، إلى أهدافها وأحدثت دماراً هائلاً في القواعد العسكرية والمطارات التي استهدفتها الصواريخ الإيرانية من نوع “فتّاح”.
ولكن ما الذي يمكن أن يمنع إسرائيل من الرد على الضربات الإيرانية؟
لا شك أن اختيار الأهداف من قبل إيران يشير إلى السهولة التي تتعامل فيها القيادة الإيرانية مع كيان الاحتلال، حيث تعتقد طهران أن أي تعاون إسلامي محدود بين دول المنطقة يمكن أن يؤدي إلى خسارة إسرائيل الحرب. ولهذا فإن إيران تتعاطى باستخفاف بكيان الاحتلال، وتؤكد أن أي رد إسرائيلي سيقابل برد مزلزل، وخاصة ضد البنية التحتية التي تعتبر الركيزة الأساسية لوجود إسرائيل. فإذا ما استهدفت إيران محطات الطاقة والكهرباء، فإن الصهاينة سيغادرون الكيان من تلقاء أنفسهم، لأنهم لا يمتلكون الدافع ولا الحافز للقتال والبقاء وسط ظروف يمكنهم أن يعيشوا أفضل منها في بلدانهم الأصلية.