من إعلام العدو:
صحيفة معاريف: 11/10/2024
الاعتراف بالدولة الفلسطينية سيغيّر أمننا وإذا لم يحدث ذلك فسندفع ثمنا باهظا
بقلم: البروفيسور دانيال فريدمان
استخدام القوة لتحقيق هدف بعيد المنال قد يؤدي إلى كارثة. وهذا ما حدث لنا في حرب لبنان الأولى، حين بدأت حكومة الليكود بقيادة مناحيم بيغن، الحرب، عام 1982، ضد الإرهاب الفلسطيني. وكان للحرب أهداف أخرى، بما في ذلك تغيير النظام في لبنان، وتأسيس حكومة مسيحية متعاطفة مع إسرائيل، وتغيير وجه الشرق الأوسط.
كان الإنجاز الوحيد للحرب هو طرد ياسر عرفات من لبنان ونفيه إلى تونس. أما الأهداف الأخرى فلم تتحقق، وكان الثمن باهظاً جداً. تم تعيين رئيس متعاطف، بشير الجميل، في لبنان، لكنه اغتيل بعد ذلك مباشرة، وفي إسرائيل تزايدت الضغوط لإنهاء الحرب. كان بيغن محطماً عقليا بسبب الخسائر الفادحة، وربما أيضاً بسبب النتائج التي توصلت إليها لجنة التحقيق بشأن المذبحة التي ارتكبتها الكتائب المسيحية في صبرا وشاتيلا.
توقف بيغن عن العمل واستقال من منصبه وانسحب من المسرح العام. وفي لبنان، بدأ يزدهر الإرهاب الشيعي على شكل حزب الله، الذي طور أسلوب الإرهابي الانتحاري. وتراجع الجيش الإسرائيلي، الذي وصل خلال الحرب إلى بيروت، على مراحل. وفي عام 2000 قرر رئيس الوزراء إيهود باراك، الانسحاب من الشريط الأمني. ولا داعي للتوسع في الطريقة المخزية التي تم بها الانسحاب، والتي كانت أشبه بالهروب وتضمنت التخلي عن حلفائنا من جيش لبنان الجنوبي.
عادت إسرائيل إلى حدودها، فيما سيطرت منظمة إرهابية شيعية على لبنان. ولذلك هناك حالات يكون فيها استخدام القوة مدمرا لمن يستخدمها. ولكن هناك حالات معاكسة، حيث يكون من الضروري استخدام القوة، وقد يكون عدم استخدامها خطيرا.
التطور الذي حدث بعد انسحاب إسرائيل من المنطقة الأمنية في لبنان، ورافق الانسحاب تصريح باراك بأنه سيرد بقسوة على أي ضرر يُلحقه حزب الله. ورغم ذلك اختار باراك سياسة “الاحتواء”، أي تجنب الرد على عدوان حزب الله، كما تبنى بنيامين نتنياهو سياسة مماثلة. واليوم، من المتفق عليه على نطاق واسع أن هذا كان خطأً فادحا. والمثال الآخر هو سيطرة حماس على قطاع غزة في عام 2007. فقد كانت هناك حاجة ملحة للإطاحة بحكم الإرهاب هذا، الذي يشكل خطرا استراتيجيا على إسرائيل، وكان واضحا أنه كلما تأخرت العملية كلما ارتفع ثمنها.
استخدام القوة لا يعني فقط استخدام القوة العسكرية، بل يمكن التعبير عنه أيضا بإجراءات سياسية أحادية. ونتائج استخدام القوة المفرطة تظهر أحيانا في وقت قصير، ولكن في بعض الأحيان لا يتم الكشف عنها إلا بعد سنوات.
هل يمكننا فعلاً السيطرة على كل الأراضي من بيروت إلى قناة السويس…؟ يكفي أن نقول إن ذلك يعود لمحدودية قوة إسرائيل، وأن ثمن الاحتفاظ بالأراضي أصبح باهظا إلى حد لا يمكن تحمله. ومن هنا إلى الحرب التي نحن فيها اليوم. لدينا خيار التمسك بقطاع غزة، ويجب أن نفعل ذلك بشكل مؤقت. ومع ذلك، آمل أن يكون واضحا لأغلبية الجمهور الإسرائيلي، باستثناء اليمين المتطرف، أننا لا نستطيع القيام بذلك لفترة طويلة، وأنه كلما أسرعنا في تسليم القطاع إلى هيئة مناسبة، كلما كان ذلك أفضل.
لقد أصبح من الواضح أنه لا يمكن تشكيل حكومة بديلة لحماس دون مشاركة القيادة الفلسطينية. نتنياهو وشركاؤه من اليمين يعارضون ذلك، ونحن عالقون في حرب لا تنتهي. والفكرة وراء أطول حروب إسرائيل اليوم هي أن القوة العسكرية سوف تجيب على كل شيء، على أمل محو العدو أو الاستسلام، وانه لا يوجد حل سياسي في الأفق، ولا توجد ترتيبات سياسية.
هذا يعيد طرح مسألة الدولة الفلسطينية. وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن كارثة 7 أكتوبر لم تحدث بسبب الدولة الفلسطينية، وإنما بسبب محاولة نتنياهو منع قيام مثل هذه الدولة، من خلال تعزيز حماس. هذا إلى اجنب ان الحملة الاستيطانية في الضفة الغربية تعكس أيضاً محاولة لمنع قيام دولة فلسطينية. لكن السؤال هو: هل لدينا القدرة على ضم المنطقة بشكل غير مباشر، من خلال الاستيطان ومن دون منح الحقوق للفلسطينيين، وهي خطوة لم نجرؤ على القيام بها في ذروة قوتنا بعد الانتصار في حرب الأيام الستة…؟
السؤال المتعلق بإقامة دولة فلسطينية ليس فقط ما إذا كانت جيدة أم سيئة. السؤال هو هل لدينا القدرة على منع قيامها…؟ الجواب، هو أن ذلك في حدود طاقتنا على المدى القصير. نتنياهو يفعل ذلك منذ سنوات، وقد رأينا النتيجة في 7 أكتوبر. مع ذلك، وعلى المدى الطويل، هل لدينا القدرة على منع إقامة دولة فلسطينية، بحيث لا يكون الثمن باهظًا للغاية…؟ فحتى يومنا هذا، لا توجد دولة في العالم تعترف بضم القدس الشرقية، ولا حتى الولايات المتحدة، التي وافقت على نقل سفارتها إلى القدس، ولكن فقط إلى غرب المدينة.