في مقابلة خاصة مع شبكة شام نيوز عبر إذاعة ميلودي إف إم، تحدث الكاتب والمحلل السياسي حسام شعيب بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لمعركة “طوفان الأقصى”، والتي اعتبر أنها أحدثت زلزالاً على مستويين رئيسيين: الأول ثقافي وفكري وتاريخي، والثاني سياسي وعسكري. وأوضح شعيب أن هذه العملية هدمت العديد من المشاريع الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة، مما دفع بعض المؤيدين لهذه المشاريع إلى الادعاء بأن العملية مدعومة من جهات خارجية، خصوصاً إيران، بهدف تقزيم المقاومة الفلسطينية والنضال الشعبي.
ورأى شعيب أن العالم قبل هذه العملية كان على وشك نسيان القضية الفلسطينية، حتى الدول التي رعت اتفاق أوسلو ومنظمة فتح التي وقّعت على الاتفاق. وأكد أن المجتمع الدولي والولايات المتحدة لم يلتزما بتنفيذ بنود اتفاق أوسلو، لافتاً إلى التمييز العنصري الذي يعيشه الفلسطينيون في الضفة الغربية، حيث يتعرضون للاعتقالات التعسفية، والحصار، والبطالة، في وقت تستمر فيه إسرائيل بتوسيع المستوطنات بشكل يخالف بنود الاتفاق. وأشار إلى أن إسرائيل لم تلتزم بتقديم المستحقات المالية للسلطة الفلسطينية، مما جعل الأهداف المنشودة من اتفاق أوسلو بعيدة المنال بالنسبة للفلسطينيين.
وفيما يتعلق بالموقف العربي، أبدى شعيب أسفه للقفز على القضية الفلسطينية حتى وصلت إلى مرحلة يبدو فيها أن القضية قد دفنت. وأكد أن بعض الدول الإقليمية والعربية شاركت في هذا التجاوز، بالتعاون مع قوى عالمية على رأسها الولايات المتحدة. وأوضح أن عملية “طوفان الأقصى” جاءت كرد فعل على الإحباط العام من هذا التجاوز، بفضل التحضير المسبق لها من قبل يحيى السنوار ومحمد الضيف. وكانت العملية بمثابة صدمة للكيان الصهيوني ومؤيديه والمطبعين معه، وكذلك للولايات المتحدة والغرب.
وأشار شعيب إلى أن عملية “طوفان الأقصى” لم تُعد فلسطين إلى المشهد السياسي الدولي فحسب، بل أحدثت أيضاً زلزالاً شعبياً، حيث شهدت شوارع أمريكا وبريطانيا تظاهرات مليونية تضامناً مع القضية الفلسطينية. وأضاف أن التظاهرات انتشرت في العديد من الدول الأخرى مثل ألمانيا وهولندا وأستراليا وإسبانيا وجنيف، مما يؤكد أن الشعوب الغربية بدأت تدرك أبعاد الصراع وتتبنى القضية الفلسطينية بشكل غير مسبوق.
وأبرز شعيب أهمية هذه الرسائل التي جاءت من المجتمعات الغربية، مشدداً على أن هذه الرسائل لم تأتِ من المستويات الرسمية بقدر ما أتت من الشعوب. وأوضح أن هذا الزلزال الشعبي بدأ يتوسع تدريجياً ولم يعد مقتصراً على قطاع غزة، بل امتد إلى الضفة الغربية وأراضي عام 1948. واعتبر أن هذه العملية أعادت المعركة إلى مسارها الصحيح بين الشعب العربي والمشاريع التخريبية التي تدعمها إسرائيل وحلفاؤها.
في سياق التحليل، تساءل شعيب عن أسباب عدم قدرة إسرائيل وأمريكا على تجاوز عملية “طوفان الأقصى”، موضحاً أن العملية تعتبر الأولى في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي التي تمكنت فيها قوة فلسطينية أو عربية من مفاجأة الكيان الصهيوني دون أن تصل إليه أي معلومات مسبقة. وأشار إلى أن سريّة العملية كانت من بين عوامل نجاحها، حيث لم يكن يعلم بها سوى يحيى السنوار ومحمد الضيف. حتى الفصائل الفلسطينية الأخرى مثل الجهاد الإسلامي لم تكن على علم بساعة الصفر للعملية.
وأضاف شعيب أن التحضير للعملية استغرق سنوات، حيث تم التدريب على الشواطئ بشكل علني تحت غطاء الأنشطة السياحية، مما جعل الاحتلال الصهيوني يعتقد أن التدريبات ليست سوى لهو ولعب. ولم يتوقع أحد أن تكون هذه التدريبات جزءاً من التحضير لعملية نوعية بهذا الحجم.
وفيما يتعلق بموقف حزب الله من العملية، أوضح شعيب أن حسن نصر الله لم يكن على علم بها مسبقاً، مشيراً إلى أن عنصر المفاجأة كان من بين عوامل النجاح التي أذهلت الجميع، بما في ذلك الحلفاء. وأكد أن هذه العملية، بمفاجآتها ونجاحها، وضعت إسرائيل في موقف محرج أمام حلفائها الغربيين، خاصة الولايات المتحدة، التي بدت مرتبكة في ردود فعلها.
أما بخصوص ردود الفعل الإسرائيلية والأمريكية على العملية، أشار شعيب إلى أن يحيى السنوار، الذي كان معتقلاً سابقاً في سجون الاحتلال ويجيد العبرية، عرف جيداً كيف يفكر الإسرائيليون، ما ساعده في التخطيط لعملية نوعية بامتياز. واعتبر أن هذه العملية لا يمكن تجاوزها بسهولة، حتى من قبل إسرائيل أو الولايات المتحدة، مستشهداً بتصريح الرئيس الأمريكي جو بايدن بأن يوم السابع من أكتوبر كان يوماً أسود في تاريخ إسرائيل.
وبالنسبة لاستمرار الحرب والمدة التي استغرقتها، أوضح شعيب أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو استغل ضعف إدارة بايدن لصالحه الشخصي، حيث توافد القادة الغربيون إلى إسرائيل بعد العملية، بمن فيهم الرئيس الأمريكي ووزير الخارجية ووزير الدفاع، بالإضافة إلى الرئيس الفرنسي ورئيس وزراء بريطانيا.
وأكد شعيب أن عملية “طوفان الأقصى” كشفت عن نفاق الغرب، حيث اتضح اصطفافهم الواضح إلى جانب إسرائيل. ومع ذلك، أشار إلى مبادرة جنوب إفريقيا التي دعت إلى محاسبة نتنياهو وحكومته في محكمة الجنايات الدولية، وهو تطور غير مسبوق في المشهد السياسي العالمي.
وأوضح شعيب أن إسرائيل لم تعد قادرة على التستر على خسائرها الكبيرة بعد العملية، مشيراً إلى أن نحو 700 ألف إسرائيلي غادروا البلاد دون نية للعودة، بالإضافة إلى الخسائر المادية التي تكبدتها إسرائيل في مختلف القطاعات، مثل ميناء حيفا الذي يخسر يومياً نصف مليون شيكل بسبب نقص البضائع.
وتحدث شعيب أيضاً عن الاستنزاف المستمر داخل إسرائيل، موضحاً أن المعركة باتت وجودية بالنسبة لكل من الكيان الإسرائيلي ومحور المقاومة. وأشار إلى أن إسرائيل، التي لم تتجاوز 75 عاماً كدولة، تواجه اليوم تحدياً وجودياً حقيقياً، وهو ما دفع نتنياهو إلى الحديث عن تأسيس “الإمبراطورية اليهودية الثالثة”، ما يعكس طموحات إسرائيلية توسعية تتناقض مع أي جهود للتسوية أو السلام.
وفي الختام، شدد شعيب على أن عملية “طوفان الأقصى” أكدت استحالة التوصل إلى تسوية مع هذا الكيان، خاصة في ظل الجرائم التي يرتكبها بحق الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية. وأكد أن إسرائيل والولايات المتحدة تعملان بشكل مشترك على تدمير أي فرص للنهوض العربي أو الفلسطيني بعد هذه العملية، مما يجعل من المواجهة خياراً حتمياً بالنسبة لمحور المقاومة.