في حوار مع شبكة شام نيوز إنفو عبر إذاعة ميلودي إف إم، تحدث الأستاذ مصطفى المقداد، الرئيس السابق لاتحاد الصحفيين السوريين، عن التعقيدات المحيطة بوجود “طرف غير مرئي” في النزاع الدائر، واصفاً الدور الذي يلعبه الأمريكيون لترجيح كفة إسرائيل. يرى المقداد أن واشنطن تستخدم نفوذها لإشعال نزاعات داخلية تهدف إلى دفع الأطراف نحو مفاوضات بشروط إسرائيلية أو مواجهة شبح حرب أهلية. ويشير إلى أن معضلة حزب الله الكبرى، منذ سنوات طويلة، تتمثل في تباين الآراء الداخلية بشأن مقاومته لإسرائيل، حيث تتعالى بعض الأصوات المعارضة التي ترفض خوض صراع طويل ضد العدو الصهيوني. ويُرجع المقداد هذا التباين إلى تراكمات تاريخية، بدءاً من ارتباطات بعض المجموعات السياسية بالكيان الإسرائيلي منذ فترة الاجتياح وصولاً إلى الحرب الأهلية اللبنانية، التي شهدت تنسيقاً وظهوراً علنياً لإسرائيل في لبنان.
وبالحديث عن الدعم الإيراني لحزب الله، يرى المقداد أن هذه العلاقة أدت إلى زيادة الانقسامات السياسية في الداخل اللبناني، لافتاً إلى أن جزءاً من الطوائف اللبنانية لا يتفق مع نهج المقاومة، بل تميل إلى الغرب في رؤيتها السياسية والثقافية، مؤكداً أن العلاقات بين حزب الله وحلفائه غير الشيعة، مثل التيار الوطني الحر، تشكل مثالاً واضحاً على تقارب متنوع يتجاوز الخطاب الطائفي السائد. ويضيف أن التحالفات داخل لبنان تتفاوت بوضوح بين جهات ترى في إسرائيل عدواً ينبغي مواجهته، وأخرى تحاول توظيف الوضع لتحقيق مكاسب سياسية.
ورداً على سؤال حول التحديات التي يواجهها حزب الله، أكد المقداد أن الضغوط الكبيرة المفروضة عليه تهدف إلى إضعافه عن طريق تقسيم المجتمع اللبناني وإضعاف الروح الوطنية المشتركة، مشيراً إلى أن الغرب لطالما سعى لاستغلال الاختلافات الطائفية والمذهبية كوسيلة للسيطرة على لبنان. وأوضح أن هذا الوضع يجعل لبنان “بارومتراً” للمنطقة، حيث تختبر فيه القوى الخارجية تأثير الصراعات الإقليمية على الشعوب، ما يخلق بيئة صعبة لأي حركة مقاومة.
ثم استعرض المقداد تجربة شخصية له، حين استضاف مهندساً مارونياً من جونية لعدة أيام في سوريا، في وقت أبدى فيه أقاربه دهشتهم من اختياره قضاء وقته بين المسلمين، معتبراً أن مثل هذه الحالات تعكس الصورة المقولبة التي فرضتها سنوات من الصراعات الطائفية. وأشار إلى أن التقسيمات التي فرضتها الحرب الأهلية باتت جزءاً من الواقع اللبناني، ما يضيف تحديات على حزب الله الذي يُنظر إليه وكأنه يمثل فئة محددة فقط، على الرغم من محاولته تقديم نفسه كحامٍ للبنان بأسره.
وعن الضعف الداخلي في إسرائيل، أكد المقداد أن التباينات بين القادة الإسرائيليين أصبحت أكثر وضوحاً، رغم محاولاتهم إظهار تماسكهم الخارجي. وبيّن أن هناك خلافات داخلية بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وبعض أعضاء حكومته حول طريقة إدارة الصراع، حيث اتضح للجميع أن عملية “طوفان الأقصى” قد كسرت جميع التوقعات بامتداد الصراع إلى هذه الدرجة. وأكد المقداد أن هناك إعداداً مسبقاً لدى الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفائهما لما يجري حالياً في غزة، إذ ينظرون إلى العمليات العسكرية كغطاء لسياسة الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين، معتبرين أن مقاومة الشعب الفلسطيني تشكل تهديداً وجودياً للكيان الصهيوني.
ويرى المقداد أن العقيدة العسكرية الإسرائيلية، التي كانت تقوم على الحرب الخاطفة، تغيرت اليوم، إذ أصبحت المقاومة، سواء في غزة أو جنوب لبنان، تشكل تهديداً مستمراً للوجود الإسرائيلي، ما دفع إسرائيل للاستعداد لحرب طويلة ومستنزفة. ويعتقد المقداد أن الدعم الغربي المكثف لإسرائيل يهدف إلى تعويض ما تكبدته من خسائر، محذراً من أن هذا النزاع قد يتوسع إذا لم يتم التوصل إلى حل دبلوماسي شامل يعالج جذور الصراع القائمة.