في حديثه لشبكة شام نيوز إنفو عبر إذاعة ميلودي إف إم، أكد الأستاذ مصطفى المقداد، الرئيس السابق لاتحاد الصحفيين السوريين، على موقف إسرائيل المتحدي للأمم المتحدة منذ إنشائها. وأشار إلى تصريحات بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، التي شدد فيها على أن شرعية إسرائيل مستمدة من قوتها العسكرية لا من قرارات الأمم المتحدة. واعتبر المقداد أن هناك “كذبة” مستمرة منذ عام 1945 حول دور الأمم المتحدة في إحلال السلام، موضحا أن إسرائيل تنظر إلى الأمين العام للأمم المتحدة على أنه إرهابي، وقد أعلنت عدم رغبتها في التعامل معه، فيما يواصل السفير السوري في الأمم المتحدة التصدي للدفاع عن القوانين الدولية، مظهرا التزاما سوريّا لاحترام القانون الدولي في مواجهة إسرائيل. وأضاف أن الدور الأممي قد فقد كثيرا من قيمته بسبب التدخلات الأميركية والإسرائيلية، وذكر في هذا السياق مقولة صديق لبناني له بأن “غزة أصبحت مقبرة للقانون الدولي”.
وتناول المقداد القوة التي تستمدها إسرائيل من دعم الغرب والولايات المتحدة، مشيرا إلى أن القنابل التي تضرب غزة والضاحية الجنوبية هي في معظمها أميركية الصنع. كما أوضح أن إسرائيل تقوم بقصف المعابر الدولية، مما يعطل حركة المدنيين، دون أي اعتبار للقوانين والأعراف الدولية. ومع ذلك، أكد أن الولايات المتحدة لا ترغب في توسيع دائرة المواجهة، على الرغم من أن تصرفات نتنياهو تهدد بذلك، إذ يسعى إلى تأجيج الوضع لتحقيق مكاسب سياسية وإرضاء التيارات المتشددة في حكومته، فيما تحاول واشنطن كبح هذا التصعيد لحماية إسرائيل من أخطار تهور نتنياهو الذي قد يأتي بنتائج عكسية على الاستقرار في المنطقة.
وفي حديثه عن المواجهة بين إيران وإسرائيل، أشار المقداد إلى أن إيران قد طلبت انعقاد مجلس الأمن الدولي للتنديد بالضربات الإسرائيلية التي طالت مواقعها. بينما على الجانب الآخر، أعلن نتنياهو في اجتماع حكومي أن الضربات ضد إيران لن تتوقف، حتى مع تهديدات إيران بالرد. ويعتبر المقداد أن الموقف الأميركي يسعى للحفاظ على نوع من الاستقرار المؤقت في المنطقة، وأن إدارة بايدن لا تريد توسيع نطاق الحرب، بل تسعى إلى إيجاد توافقات ضمنية لضمان عدم انفجار الأوضاع بما يهدد أمن إسرائيل، فيما يدفع نتنياهو نحو استمرار النزاع بدوافع أيديولوجية تتجاوز المكاسب السياسية.
وتطرق المقداد إلى هجرة رؤوس الأموال والأفراد من إسرائيل في الآونة الأخيرة، مشيرا إلى أن هذا الوضع يعيدنا إلى جذور الفكرة الصهيونية التي ركزت على تجميع اليهود الغربيين (الأشكناز) مع تهميش واضح لليهود العرب. وأوضح أن المشروع الصهيوني يعاني من تحديات متزايدة تستدعي إعادة النظر في بنيته الفكرية، في ظل فشله في القضاء على الرموز الثقافية الفلسطينية مثل الفلافل والثوب الفلسطيني. وقال إن “القوة العسكرية، مهما بلغت، لن تستطيع محو هوية وثقافة وتاريخ شعوب بأكملها”.
وفيما يتعلق بتأثير الانتخابات الأميركية على صراعات الشرق الأوسط، لفت المقداد إلى أن الرأي العام الأميركي لم يكن معنيا بأحداث المنطقة بشكل ملحوظ في الماضي، إلا أن تغييرا طرأ على هذا الواقع بعد حروب الخليج، والغزو الأميركي للعراق وأفغانستان، حيث بدأت قضايا الشرق الأوسط تكتسب حضورا أوسع في الداخل الأميركي. وذكر أن حرب غزة الأخيرة شهدت تضامنا لافتا في الشارع الأميركي، حيث خرجت مظاهرات مؤيدة للحق الفلسطيني، ليس فقط في المدن الكبرى، بل داخل الجامعات التي كانت تعتبر مؤيدة للصهيونية. وأشار إلى أن مواقف الطلبة الجامعيين قد تخلق تغييرات مستقبلية، مؤكدا أن هؤلاء الطلبة الذين ينحازون للقضية الفلسطينية قد يصبحون قادة في المستقبل، مما يثير مخاوف الصهاينة.
واختتم المقداد حديثه بالتحذير من خطورة استراتيجيات التجهيل التي تعمل إسرائيل على ترسيخها في المجتمعات العربية، مشيرا إلى أنه شخصيا قد أدرك مدى تأثير الإعلام في صياغة تصورات سابقة له. واعتبر أن للمنطقة العربية خصوصية ثقافية عميقة تمتد من أجيال قديمة إلى أخرى حديثة، حيث تُعد الأمهات والجدات رمزًا لهذه الهوية التي تنتقل عبر الزمن. وقال إن هذا الإرث الثقافي، الذي يجسده على سبيل المثال الثوب التقليدي أو الأكلات الشعبية، يعكس الهوية التاريخية التي لا يمكن لأية قوة أن تمحوها.