رغم زيارة الوفد الأمريكي وزيارة وزير الخارجية التركي إلى دمشق لتقديم الدعم للإدارة السياسية الجديدة بقيادة أحمد الشرع، فإن الخلافات ظهرت بين الجانبين، حيث تصر تركيا على أن الحل بين الإدارة الجديدة والأكراد في شرق الفرات يتم في أنقرة، بينما أكدت زيارة الوفد الأمريكي أن واشنطن تدعم الشرع على حساب الأكراد.
زيارة وفد الخارجية الأمريكية برئاسة باربارا ليف، مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط، وما رافق الزيارة من لقاءات وتصريحات مع القائد العام للإدارة السياسية الجديدة في سوريا، أحمد الشرع، وضعت دول المنطقة والعالم أمام مرحلة جديدة عبر تأييد واشنطن للخطوات التي تقوم بها حكومة الإنقاذ الجديدة ودعمها، والإقرار بشرعية الإدارة السياسية الجديدة بقيادة الشرع بعد سقوط نظام الأسد المدوي.
زيارة وفد الخارجية الأمريكية لم تكن مجرد زيارة عادية، وإنما كانت رسالة دعم وتأييد للخطوات التي تقوم بها حكومة الإنقاذ والإدارة الجديدة بقيادة الشرع، التي طالبت واشنطن برفع العقوبات عن سوريا، وإزالة صفة الإرهاب عن هيئة تحرير الشام، كما ألغت المكافأة التي كانت قد أعلنتها واشنطن لقاء تقديم معلومات عن الشرع.
البعثة الأمريكية قدمت إلى الإدارة الجديدة التهاني بتحرير سوريا والخلاص من النظام المجرم السابق، مؤكدة التزامها بدعم الشعب السوري والإدارة السورية الجديدة، والوقوف إلى جانبها في مواجهة الملفات العالقة والتحديات الكبرى، كمنطقة شمال شرق سوريا، التي لا تزال تشهد معارك عنيفة بين ميليشيا قسد والفصائل المسلحة المدعومة من تركيا.
وأكدت البعثة الأمريكية دعمها للخطوات المعلنة من قبل الإدارة السورية الجديدة، خصوصاً فيما يتعلق بتعزيز الاستقرار ودفع عجلة النمو الاقتصادي وتحقيق تمثيل شامل لكل مكونات الشعب السوري. وأجمع الطرفان على أن ما حصل يعد انتصاراً تاريخياً للشعب السوري.
من جهته، قدم الوفد شكره لجهود الإدارة الجديدة في إطلاق سراح المعتقلين، بما في ذلك المواطن الأمريكي “ترافيز”، إلى جانب المساعي الجادة للبحث عن “أوستين”، مشيداً بحسن إدارة المرحلة الراهنة والخطوات البناءة المتخذة لتشكيل وزارة الدفاع والجيش السوري الموحد.
من جهة أخرى، عبر الجانب السوري عن ترحيبه بالبعثة، مشيراً إلى أن الشعب السوري أسهم في إنقاذ المنطقة من الفوضى والتدخلات الأجنبية بتخلصه من النظام المجرم السابق. وأوضح أن الشعب السوري بحاجة إلى دعم كبير لتحقيق الانتعاش والتعافي على كل المستويات، داعياً إلى رفع العقوبات المفروضة عليه، ومشيراً إلى وقوف الشعب السوري على مسافة واحدة من كل الدول والأطراف في المنطقة دون وضع سوريا في حالة استقطاب.
كما بين أهمية إتاحة الفرصة للشعب السوري للاستراحة من ويلات الحرب والنزاعات، وعرض برنامج التطوير والمأسسة الذي سيتم إطلاقه في سوريا الجديدة، مشدداً على ضرورة المحاسبة وتحقيق العدالة بملاحقة مجرمي الحرب ورموز النظام السابق، ومؤكداً دور سوريا في تحقيق السلام الإقليمي وبناء شراكات استراتيجية مميزة مع دول المنطقة.
الانتصار الذي حققته هيئة تحرير الشام والفصائل بإسقاط النظام اعتبره محللون ربحاً كبيراً للولايات المتحدة الأمريكية وتركيا على حساب مشروع روسيا وإيران، اللتين تعتبرهما واشنطن خصماً لدوداً لها في سوريا. كما أن الخاسر الأكبر هو حزب الله وإيران، اللتان دعمتا طوال فترة الحرب نظام الأسد البائد.
في هذه الأثناء، لا تزال وسائل الإعلام تردد فكرة أن روسيا زرعت في سوريا وتريد أن تحصد في أوكرانيا، في إشارة إلى أن روسيا كانت تحذر كثيراً من الفساد وسوء الإدارة في سوريا قبل سقوط الأسد.
وبعيداً عن سياسة الأحلاف والتجاذبات، فإن الاستقرار في سوريا وإعادة الوحدة إلى البلاد يبقى هاجساً لدى الدول العربية والعواصم العالمية، التي سارعت بعد زيارة الوفد الأمريكي إلى الاتصال بالإدارة السياسية الجديدة بقيادة الشرع، باعتبار أن الولايات المتحدة كانت ولا تزال تدعم الفصائل المسلحة التي سيطرت في الثامن من كانون الأول الجاري على العاصمة دمشق، ودشنت مرحلة جديدة لا يزال عدد كبير من السوريين يعيشون حالة من الصدمة والخوف.
فليس من مصلحة واشنطن استمرار العنف والفوضى، لأن ذلك سيعيد الميليشيات والحرب من جديد، وهذا لا يخدم سياسة واشنطن في عهد دونالد ترامب، الذي يسعى لعقد الصفقات وتحضير الأجواء لمواجهة إيران بعد القضاء على حماس وحزب الله.
ويأمل السوريون في المرحلة الجديدة إعادة الإعمار وإنهاء الصراعات، وتجاوز الكابوس الرهيب الذي تعيشه البلاد منذ أربعة عشر عاماً، والخروج من سياسة المحاور وإعادة دور سوريا العربي.