لا تزال الضبابية والغموض يلفان طبيعة وبرنامج وهيكلية مؤتمر الحوار الوطني السوري الذي يشغل بال الطبقة السياسية في سورية بعد سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من كانون الأول الماضي. فقد أثار اللقاء الذي جمع قائد الإدارة السياسية الجديدة أحمد الشرع مع السيد فاروق الشرع في منزل الأخير التساؤلات حول الهدف من هذا اللقاء الذي جرى في خضم حدث تاريخي لم تشهده سورية منذ أربعة وخمسين عاما. فما الهدف من اللقاء؟ ولماذا تم اختيار فاروق الشرع من بين عشرات الشخصيات ليرأس المؤتمر الذي يجري التحضير له؟ وما هي مبررات انعقاد المؤتمر الوطني في هذا التوقيت؟ ومن هي الأطراف التي ستشارك فيه؟ وما هي النتائج المتوخاة منه؟
أسئلة كثيرة دون إجابات يطرحها السوريون، الذين شعر البعض منهم بالارتياح لاختيار فاروق الشرع ليكون أكبر الأعضاء سنا لترؤس المؤتمر، نظرا للدور البارز الذي لعبه خلال المراحل السابقة قبل أن يتم تجميده بسبب الخلافات حول سبل معالجة الأزمة التي عاشتها سورية منذ العام 2011. فيما شعر البعض الآخر بعدم الرضى والاستهجان.
ولا شك أن مؤتمر الحوار الوطني السوري الذي يجري الحديث عنه اليوم على نطاق واسع يختلف بشكل كلي عن مؤتمر الحوار الوطني السوري الذي عقد في سوتشي في الثلاثين من كانون الثاني عام 2018. فاليوم لا وجود للنظام السابق ولا وجود للمعارضة، أما المجتمع الأهلي، وهو الضلع الثالث في مؤتمر سوتشي، فإنه يفتقر إلى التنظيم وإلى الأفكار والرؤية حول مستقبل سورية بعد سقوط النظام، خاصة بعد إعلان الإدارة السياسية الجديدة أن سورية بعد الثامن من كانون الأول تجاوزت القرار الأممي 2254. فالصيغة التي كانت مطروحة للحل السياسي وفق ذلك القرار لم تعد تصلح للمرحلة القادمة، وصيغة التمثيل ثلاثية الأضلاع بين المعارضة والحكومة والمجتمع الأهلي لم تعد قابلة للتنفيذ عمليا. ولهذا فإن التحضيرات للمؤتمر الوطني القادم تجري وفق أسس ومبادئ مختلفة، حيث سيتم توجيه الدعوات للأفراد والشخصيات بصفة شخصية وليس للمؤسسات أو الأحزاب أو التكتلات أو المنصات والكيانات، على أن يتم دعوة ما بين 70 إلى 100 شخصية عن كل محافظة، مما يعني أن المؤتمر سيضم قرابة 1500 شخصية. كما أن النقاش مفتوح مع قوات سوريا الديمقراطية والمجلس الوطني الكردي لحضور شخصيات منهم مؤتمر الحوار. وهذا الحضور الكردي لن يكون جماعيا وإنما فرديا، لأن السوريين من مختلف الأطياف متفقون على رفض أي كيان كردي منفصل بأي صيغة على الأراضي السورية، التي يصر الجميع على وحدتها.
ورغم الإعلان عن موعد انعقاد المؤتمر الوطني في الخامس من كانون الثاني الجاري، إلا أن كل المؤشرات تؤكد صعوبة عقده في هذا الموعد، لأن دعوة 1500 شخصية سورية من الداخل والخارج للمشاركة في جلسات الحوار الوطني تحتاج إلى وقت وإعداد جيد وترتيبات وبرامج عمل، خاصة مع غياب الهيئات التي مثلت المعارضة السورية في الخارج وغياب المعارضة في الداخل. وبالتالي، من المستبعد عقد المؤتمر في هذا التوقيت، وربما يتم تأجيله لحين إيجاد الظروف الملائمة لعقده. وهذا الأمر يستغرق شهورا وليس أياما، لأن التواصل مع هذا العدد الكبير من الناس ودراسة آرائهم ومقترحاتهم يحتاج إلى زمن طويل، على عكس الوضع لو تمت دعوة الهيئات والمؤسسات.
ووفق مصادر إعلامية، فإن المؤتمر يهدف إلى تحقيق عدة خطوات، أولها تأسيس هيئة عامة لاختيار حكومة انتقالية يتم تحديد مدة عملها على أن تكون حكومة تكنوقراط وليست حكومة على أساس المحاصصة الطائفية أو الدينية أو السياسية. كما سيتمخض عن المؤتمر، في حال التوافق على انعقاده، هيئة استشارية تضم ممثلين عن المحافظات وتنوب عن البرلمان وانتخاب لجنة لصياغة الدستور.
وفي تعليقه على التحضيرات الجارية لعقد مؤتمر الحوار الوطني، اعتبر رئيس الإدارة السياسية الجديدة أحمد الشرع في لقاء تلفزيوني مع قناة العربية أن “مؤتمر الحوار الوطني” سيكون جامعا لكل مكونات المجتمع، وأنه سيتم الإعلان خلال المؤتمر عن حل هيئة تحرير الشام. وأعطى الشرع مهلا زمنية لانتخاب برلمان ورئيس للبلاد ما بين ثلاث وأربع سنوات. وتلك إشارات واضحة إلى أن المؤتمر لن يضم أي مكون من المكونات السورية المعروفة كالإئتلاف السوري المعارض أو المعارضة الداخلية. وفي وقت أعلن حزب البعث الذي حكم سورية منذ العام 1963 تجميد عمله بعد سقوط نظام الأسد، فإن التمثيل سيكون للشخصيات والأفراد وليس للمؤسسات.
وخلاصة القول، إن طرح مسألة عقد مؤتمر للحوار الوطني السوري بعد أيام من سقوط نظام الأسد واقتصار الدعوات على الأفراد دون الكيانات والمؤسسات مسألة تحتاج إلى المزيد من الوقت، لأن كل المخرجات التي ستنتج عن المؤتمر تستدعي حضور هذه الكيانات التي لعبت دورا سياسيا خلال الأزمة الممتدة لأربعة عشر عاما. ولن يكون من السهولة بمكان على أعضاء المؤتمر، وعددهم قرابة 1500 شخصية، الاتفاق على مواضيع تحتاج إلى مختصين وخبراء لوضع خارطة طريق ومواعيد محددة لإنجاز دستور جديد للبلاد وتشكيل حكومة وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية. مع الأخذ بعين الاعتبار الصراع المحموم على سورية على المستوى الإقليمي والدولي والعربي والوضع الاقتصادي الصعب الذي تعيشه البلاد جراء الحرب الطويلة.