سوريا تائهة والخلافات عميقة ، انقسام شعبي مريب ، والوحدة بين الأبناء نظرية، شائعة واحدة بالأمس استطاعت أن تظهر حجم الشرخ في الشارع السوري والخوف من بقاء السلطة الحالية أو عودة السلطة السابقة ، فمن أطلق تلك الشائعات وما الغاية منها؟؟
في الساعات الماضية، انتشرت أنباء تتحدث عن انسحاب قوات هيئة تحرير الشام من مناطق الساحل السوري وبعض الأرياف وبعض مناطق دمشق فجأة بدون بيان رسمي وبدون تنويه لما سيحصل بعد ذلك، عاش السوريون لحظات من الريبة مشابهة للحظات سقوط النظام السوري، تشوش وتوتر وشائعات بالجملة تتحدث عن وصول ماهر الأسد إلى الساحل السوري، وتحليق للطيران الروسي في الأجواء، وبعد دقائق قليلة خرجت مسيرات إلى الشارع تحمل العلم السوري القديم ذو النجمتين … كمين وقع به الحالمون بسلطة جديدة تبعد الفصائل المسلحة عن المشهد.
بعد دقائق من خروج المسيرات التي اعتقدت أن ” أحمد الشرع وجماعته” سقطوا، دخلت جماعات جديدة ملثمة إلى تلك المناطق تحت مسمى الأمن العام ، وبدأت بحملة اعتقال لكل من شارك بالمسيرات، حتى أن صفحاتهم تداولت فيديوهات عن اعتقال ما سموهم بـ “فلول النظام السابق” وسط تهديدات وشتائم ووعود علنية على الكاميرا بتصفيتهم ووصفهم بـ “الخنازير” !!!
بالعودة إلى اللحظات الأولى التي انتشرت فيها تلك الشائعات، وبحسب منصة “تأكد” التي اشتهرت مؤخراً في سوريا بالتحقق من صحة الأخبار المتداولة، أشارت إلى أن وراء انتشار هاتين الشائعتين، شاب سوري يدعى «نور حلبي»، ورغم أن المنشور الذي ادعى فيه ذلك، لم يستغرق سوى 3 دقائق فقط على حسابه، قبل أن يقوم حلبي نفسه بنشر منشور آخر يوضح فيه أنه كان يمزح، إلا أنه لقى رواجا كبيراً، أما الرد الرسمي الذي دائماً ما يأتي متأخراً، فصرح قائد عسكري في وزارة الدفاع يدعى ساجد الله الديك، في تصريح خاص لتلفزيون سوريا، أن الأخبار المتداولة حول انسحاب إدارة العمليات العسكرية من مدينة جبلة غير صحيحة، مؤكداً أن العناصر المعنية في إدارة العمليات والأمن العام لا تزال متواجدة في مواقعها وثكناتها العسكرية، داعياً الشعب السوري إلى عدم الانجرار وراء هذه الأخبار الكاذبة والحفاظ على الأمن والاستقرار في البلاد.
ما الذي حصل؟
في الحقيقة، أن الجزء الأول من تلك الأنباء صحيح مئة بالمئة، فعناصر هيئة تحرير الشام انسحبت من مواقع لها بالفعل، لكن بقية الحقيقة تكمن في سبب الانسحاب، حيث تبين أن ذلك يأتي في إطار نشر قوات تندرج تحت مسمى ” قوات الأمن العام والشرطة” وسحب جميع المقاتلين الأجانب والآليات الثقيلة من تلك المناطق.
والملفت بهذه الخطوة أنها اتخذت بعد ساعات قليلة من زيارة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان إلى سوريا ولقائه قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع في دمشق، كما جاءت بعد سلسلة من الانتهاكات والتجاوزات التي نفذتها فصائل مسلحة منفلته تعمل تحت إدارة العمليات العسكرية بحق المدنيين بقرى ريف حمص والساحل السوري وسط تعتيم إعلامي كبير لإخفاء حقيقة ” المجازر” التي حصلت هناك وآخرها في قرية فاحل بريف حمص … ويبقى السؤال: هل كانت خطوة سحب الفصائل المتشددة من تلك المدن إحدى الرسائل التي توجه بها ” بن فرحان” لإدارة الشرع؟