في حديث خاص لشبكة شام نيوز إنفو عبر أثير إذاعة فيرجن إف إم، تطرق المحلل السياسي أحمد رفعت يوسف في المباحثات الروسية الأمريكية الأخيرة في الرياض، كاشفاً عن أبعادها الاستراتيجية التي تتجاوز الملف الأوكراني لتمس صميم التوازنات الإقليمية ومستقبل سورية والشرق الأوسط بأكمله.
أكد يوسف أن اختيار العاصمة السعودية الرياض مكاناً لهذه المباحثات لم يكن اعتباطياً، بل يحمل دلالات عميقة. فالسعودية، بقوتها الاقتصادية ونفوذها الإقليمي، باتت لاعباً أساسياً في المعادلة الدولية، خاصة بعد التغيرات الكبيرة التي شهدتها المنطقة منذ تحرير سورية من نظام الأسد. وأشار إلى أن هذه المباحثات تشبه إلى حد كبير قمة يالطا التاريخية عام 1945، حيث يجري اليوم إعادة رسم خريطة النفوذ في الشرق الأوسط في ظل نظام عالمي جديد آخذ في التبلور.
كما شرح يوسف طبيعة الصراع الروسي الأمريكي على سورية، موضحاً أن البلدين يتفقان على ضرورة استقرار سورية لكنهما يختلفان حول شكل هذا الاستقرار وآلياته. فبينما تريد موسكو حلاً يحافظ على مصالحها الاستراتيجية في سورية وقاعدتها العسكرية في حميميم، تسعى واشنطن إلى تقليص النفوذ الروسي وتعزيز دور حلفائها في المنطقة. وأشار يوسف إلى أن الملف السوري لم يعد معزولاً، بل أصبح جزءاً من صراع أوسع يشمل أوكرانيا والشرق الأوسط وحتى التنافس مع الصين.
أبرز التحليل نقطة بالغة الأهمية تتمثل في الموقف الأوروبي المتردد. فالقارة العجوز، بحسب يوسف، تفقد تدريجياً قدرتها على التأثير في مجريات الأحداث في الشرق الأوسط، بينما تتصاعد أدوار لاعبين جدد مثل السعودية وتركيا وإيران. وأوضح أن أوروبا تواجه معضلة حقيقية: فبينما تريد الحفاظ على علاقاتها مع واشنطن، فإنها تدرك أن مصالحها في المنطقة تتطلب تعاوناً مع موسكو، خاصة في مجالات الطاقة والأمن.
كما تناول يوسف تداعيات هذه المباحثات على الملف السوري، مشيراً إلى أن كلاً من روسيا والولايات المتحدة تدركان أن الحل في سورية لن يكون عسكرياً بل سياسياً. لكن الخلاف يبقى حول طبيعة هذا الحل وشرعيته. فبينما تدعم موسكو الحكومة السورية الجديدة برئاسة الشرع، تواصل واشنطن دعمها لبعض الفصائل المعارضة، وإن بشكل أقل وضوحاً مما كان في السابق.
أكد ايوسف أن ما يجري في الرياض ليس مجرد مباحثات حول أوكرانيا أو حتى سورية، بل هو جزء من صراع أوسع على النظام العالمي الجديد. فبعد ثلاثة عقود من الهيمنة الأمريكية الأحادية، تبرز اليوم قوى جديدة تتحدى هذه الهيمنة، مع روسيا في المقدمة. وأشار إلى أن الشرق الأوسط، بسوريا في قلبه، أصبح ساحة رئيسية لهذا الصراع، حيث تختبر القوى الكبرى نفوذها وتعيد ترسيم مناطق سيطرتها.
اختتم يوسف تحليله بالتأكيد على أن العلاقات السورية الروسية ستظل قوية ومتينة بغض النظر عن نتائج هذه المباحثات. فالمصالح الاستراتيجية التي تجمع دمشق وموسكو – من ميناء طرطوس إلى القاعدة العسكرية في حميميم – أكبر من أن تتأثر بتقلبات السياسة الدولية. كما أشاد بالحكمة التي تتعامل بها السلطات السورية الجديدة مع هذا الملف الشائك، حيث تمكنت حتى الآن من الحفاظ على علاقات متوازنة مع جميع الأطراف الدولية دون المساس بسيادتها الوطنية أو مصالحها الاستراتيجية.