إسرائيل تشارك في معركة أشرفية صحنايا بين المقاتلين الدروز وقوات الأمن والجيش.. والمشايخ الدروز يحذرون من الفتنة وتكرار أحداث الساحل الدامية. والوزير الشيباني يحمل إسرائيل المسؤولية عن زعزعة الأمن والاستقرار في سورية.
اتسع الخوف والقلق في الشارع السوري بعد الأحداث الدامية والاشتباكات التي شهدتها العاصمة دمشق في منطقتي جرمانا وأشرفية صحنايا وامتدت إلى قرى وبلدات عدة في السويداء، والتي أدت إلى مقتل أكثر من ستين شخصاً وإصابة المئات، حيث اندلعت الاشتباكات على خلفية التسجيل الصوتي المسيء للنبي محمد عليه السلام والذي نسب إلى أحد المواطنين من طائفة الموحدين الدروز. حيث شهدت المدن السورية موجة من التظاهرات التي تدعو إلى الانتقام، وقامت مجموعات من الغوغاء المتطرفين بالاعتداء على الطلبة الدروز في جامعة حمص، حيث قامت الحكومة بتأمين باصات لنقلهم من حمص إلى دمشق لحمايتهم.. لتنتقل المواجهات لاحقاً إلى مدينة جرمانا.
وبينما كانت البيانات الصادرة عن حكومة دمشق تدعو إلى التهدئة وإلى محاسبة الجناة وإلى ضرورة وأد الفتنة ومحاسبة الخارجين عن القانون في إشارة إلى المسلحين الدروز الذين رفضوا تسليم أسلحتهم، فقد كان الدروز يدعون إلى الحماية الدولية ويحذرون من أن يحل بقراهم ومدنهم ما حل بأبناء الساحل قبل ذلك. في وقت أصدر مفتي الجمهورية بياناً بتحريم الدم السوري على السوري، ودعت وزارات الداخلية والعدل والإعلام والأوقاف إلى التضامن وأد الفتنة، في حين امتنع المفتي قبل أحداث جرمانا والسويداء عن إصدار بيان بتحريم الدم السوري. حيث تتعاطى الحكومة مع كل منطقة بشكل مختلف، وهذا ما يزيد تعقيدات الأوضاع لعدم وجود قانون يضبط الجميع ويضع حداً للتجاوزات.
أحداث أشرفية صحنايا وجرمانا والسويداء وإن وصلت إلى نهاياتها بالاتفاق على وقف الاشتباكات وتوجيه اللوم لإسرائيل لأنها تدعم الدروز، إلا أنها تعد مجرد مقدمة وربما جس نبض لما يمكن أن يحصل في ضوء المعالجات الوقتية وغير الكاملة، حيث يحتمي الدروز أكثر بإسرائيل التي سارعت لحمايتهم حيث قامت بقصف مواقع قوات الأمن العام في صحنايا وأشرفية صحنايا، وهددت باستهداف القوات السورية وقوات الأمن في حال استمرار الاشتباكات. وبعد يومين من المعارك العنيفة دخلت قوات الأمن العام إلى أشرفية صحنايا، إلا أن هذه القوات في وضع لا تحسد عليه بسبب انتشار السلاح بالمنطقة رغم الاتفاق بين مشايخ من طائفة الموحدين الدروز وقوات الأمن العام في منطقة داريا على وقف الاشتباكات وعودة الهدوء واستلام قوات الأمن مهمة الحفاظ على الأمن داخل الأشرفية.
ما كان لافتاً وغير مسبوق في تاريخ سورية هو دخول العامل الإسرائيلي بشكل مباشر وفاضح وتدخل الحكومة الإسرائيلية ميدانياً وسياسياً في أحداث جرمانا والأشرفية والسويداء لحماية الدروز، حيث قامت الطائرات والمسيرات الإسرائيلية بقصف محيط الأشرفية، فيما كانت الحكومة الإسرائيلية تؤكد أن الحرب في المنطقة لن تنتهي إلا بتفكيك سورية بعد الحرب في غزة ولبنان.
ولا يمكن فصل الأحداث في جرمانا والأشرفية والسويداء بريف دمشق عن الوضع العام وحالة الفوضى والهيجان التي تسبب فيها التسجيل الصوتي المسيء للنبي محمد، حيث استغلت بعض الأطراف هذا الفيديو وراحت تبث الفتنة وتثير الجمهور، مع العلم أن جميع السوريين يعتقدون أن من يسيء للأنبياء يحتاجون إلى مصحة نفسية وليس إلى عقاب، وهم مجمعون بكل المكونات والطوائف على ضرورة الحوار وإنهاء الحرب والفوضى. غير أن حالة الهيجان للمطالبة بالانتقام التي سادت بعد ظهور الفيديو وصلت أقصى الحدود في عشرات المناطق التي يسكنها إسلاميون ومتدينون، رغم أن الشيخ كيوان الذي نسب التسجيل إليه نفى بنفسه أن لا علاقة له لا من قريب ولا من بعيد بهذا الفيديو، مؤكداً أن الصوت الذي سمعه الناس ليس صوته، ما يشير إلى أن اللعبة كلها تتعلق بمحاولة إشعال فتنة لا تنطفئ في سورية لتقسيمها وتفكيكها.
الحكومة السورية التي تتعرض لضغوط دولية هائلة منذ أحداث الساحل بهدف تقديم المجرمين إلى العدالة وطرد الأجانب من وزارة الدفاع السورية، كانت هذه المرة أكثر حذراً وتيقظاً في تعاطيها مع أحداث جرمانا وصحنايا، وتمكنت من خفض التوترات وصولاً إلى إيجاد حل مؤقت وسريع، إلا أن الجمر لا يزال تحت الرماد، حيث يقطن جرمانا مليون مواطن لا يزالون يرفضون المعالجات التي تقوم بها الحكومة ويرفضون السماح للأمن العام والجيش بدخول المدينة المتاخمة للعاصمة دمشق.
ومما يزيد الطين بلة في الحالة السورية ويعقد الأمور أكثر ويؤخر الحلول تزايد التدخل الإسرائيلي المباشر بالشأن الداخلي في ضوء استقواء الدروز والأكراد بإسرائيل والولايات المتحدة، وهذا يحبط الحكومة ويصعب مهامها ويصب الزيت على النار، فمن أولويات الحكومة الحفاظ على وحدة البلاد. وفي تعليقها على أحداث جرمانا والبيانات السياسية التي تدعو للفدرلة، اعتبرت أن وحدة سورية خط أحمر، ودعت إلى معالجة الأوضاع بالحوار، وأكدت مسؤولية الدولة عن حماية الجميع والمساواة بينهم. وقد اعتبر مفتي الجمهورية أسامة الرفاعي أن دم السوريين حرام على السوريين، فيما حمل وزير الخارجية أسعد الشيباني في كلمة له أمام مجلس الأمن إسرائيل المسؤولية عن توتر الأوضاع والانفلات الأمني في جرمانا ورفض الدروز السماح لقوات الأمن بالقيام بمهامها ورفضهم تسليم السلاح بعد أربعة أشهر ونصف من سقوط النظام.
الوزير الشيباني حاول في نيويورك تغيير الصورة وتصحيح الألوان التي تحاول بعض الأوساط الإسرائيلية إشاعتها بشأن الوضع الداخلي في سورية، وأجرى الوزير الشيباني لهذه الغاية سلسلة واسعة من اللقاءات على مدار ستة أيام مع المسؤولين الدوليين وعلى رأسهم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش والمسؤولين الدوليين عن ملف اللاجئين والمفقودين ونزع السلاح، كما التقى عددا من المندوبين الدائمين وذلك في محاولة لكسر حالة الجمود ورفع العقوبات المفروضة على سورية وحشد جهود المجتمع الدولي لدعم الحكومة السورية لاستعادة السلام وبناء المؤسسات لإعادة الاستقرار إلى سورية.
اللقاءات شملت فيليبو غراندي مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين، وكارلا كينتانا رئيسة المؤسسة المستقلة المعنية بالأشخاص المفقودين في سورية، وإيزومي ناكاميتسو وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة لنزع السلاح. ومع أن الوقت يمضي بطيئاً بالنسبة للشعب السوري الذي يعاني جراء العقوبات والأوضاع الأمنية المستعصية، إلا أن الوزير الشيباني كان يجمع في نيويورك أوراق القوة ويحرص على إيصال رسائل السلام والتعاون مع جميع الدول عبر منبر مجلس الأمن، حيث التقى وزيري خارجية فرنسا والدانمارك وعدد من المندوبين الدائمين بينهم مندوب الصين وروسيا وبريطانيا وذلك بعد مشاركته في جلسة المجلس الخاصة بمناقشة الوضع في سورية. وكان لافتاً الموقف البريطاني الجديد حيث أظهرت بريطانيا لأول مرة تمايزاً مع مواقف الولايات المتحدة التي رفضت رفع العقوبات والاعتراف بالحكومة السورية بعد أن وضعت شروطاً تعجيزية لاستفزاز الحكومة السورية والضغط عليها لتحقيق الأجندات الإسرائيلية في المنطقة. وقد تناول اللقاء بين الوزير الشيباني والمندوبة البريطانية باربارا وودوارد جوانب عديدة تتعلق بتطورات الأوضاع في سورية وخاصة رفع العقوبات وتحقيق العدالة الانتقالية وعودة اللاجئين الطوعية وإعادة الاستقرار إلى سورية.
وخلال اللقاء دعا الوزير الشيباني بريطانيا إلى عدم الاكتفاء برفع جزئي للعقوبات وإلى رفعها بشكل كامل بما يساهم في عملية إعادة البناء في سوريا وتحقيق الاستقرار المستدام فيها.
يوماً بعد يوم يزداد التدخل الإسرائيلي في الشأن الداخلي السوري عسكرياً وسياسياً ما يزيد الأوضاع الأمنية والاقتصادية تدهوراً، حيث تحتل القوات الإسرائيلية مناطق واسعة من سورية وصولاً إلى قلعة جندل في ريف القنيطرة وذلك في محاولة لتشجيع الحركات الانفصالية وتفكيك سورية بعد تدمير غزة والحرب على لبنان. ولم يخف الوزير الإسرائيلي المتطرف سيموتريتش هذه الأجندات الإسرائيلية من خلال إطلاق تهديدات ضد سورية وحكومتها.
لا يمكن بأي حال من الأحوال تجميل الوضع في سورية، فالأوضاع الأمنية والاقتصادية والسياسية تزداد سوءاً رغم كل محاولات الحكومة والقوى الأمنية والجيش تهدئة الأوضاع وحشد الجهود لرفع العقوبات وتحسين الأوضاع المعيشية للسوريين. غير أن حجم التدخل الخارجي وبخاصة الإسرائيلي لصالح تفكيك سورية ودعم الانفصاليين الأكراد والدروز في شرق سوريا والسويداء يعقد الأوضاع ويضع سورية على حافة حرب شاملة.