في حديث خاص مع شبكة شام نيوز إنفو على إذاعة فيرجن إف إم، تناول المحلل السياسي والخبير القانوني نعيم أقبيق مضامين العدالة الانتقالية وعلاقتها بإصلاح المؤسسات في سورية، مؤكداً أن العدالة الحقيقية تقتضي الفصل بين الجانب القانوني والدستوري في عملية الإصلاح. وأوضح أقبيق أن الدستور هو الذي يحدد عمل الهيئات والمؤسسات والوزارات، بينما تركز العدالة الانتقالية على محاسبة مرتكبي الجرائم الجسيمة كجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
أكد أقبيق أن العدالة الانتقالية تختص حصراً بالجرائم المرتكبة خلال سنوات الأزمة، وليس بالإصلاح الإداري الشامل. وشدد على ضرورة إصلاح المؤسسات التابعة للعدالة الانتقالية مع الحفاظ على استقلاليتها التامة، محذراً من أي محاولة لخلط العدالة الانتقالية بالإصلاح الإداري أو التدخل في عمل الهيئات المختصة.
فيما يخص الإجراءات الأخيرة لوزارة الدفاع بإعطاء الفصائل مهلة عشرة أيام للانضمام تحت إدارتها، نفى أقبيق أي علاقة لهذه الخطوة بالعدالة الانتقالية، موضحاً أن هذا الإجراء يندرج ضمن إعادة بناء الجيش الوطني على أسس وطنية بحتة، بعيداً عن الولاءات الفئوية أو الشخصية. وأكد أن دور الجيش الأساسي هو الدفاع عن الوطن، بينما تختص وزارة الداخلية بحفظ الأمن الداخلي.
كما تطرق أقبيق إلى جوهر العدالة الانتقالية الذي يتمحور حول إنصاف المظلومين وأهالي الضحايا، معتبراً أن حجم الجرائم المرتكبة يفوق التصورات. وأكد على المبدأ القانوني القاضي بمحاسبة كل من ارتكب جريمة بناءً على نصوص قانونية واضحة، بهدف تحقيق العدالة وإعطاء كل ذي حق حقه دون تمييز.
أشار أقبيق إلى أن الدولة تعمل حالياً على إعادة بناء مؤسساتها بشكل صحيح لتحقيق التماسك الاجتماعي، مع التركيز على استعادة الدور الإقليمي والدولي لسورية، وإحياء القطاعات الاقتصادية والزراعية، واستثمار الثروات الوطنية بشكل أمثل. واعتبر أن هذه التطلعات تمثل جوهر الثورة التي تنظر إلى المستقبل بعيداً عن إرث الماضي، باستثناء محاسبة مرتكبي الجرائم.
في سياق متصل، تناول أقبيق عمل هيئة المفقودين، معتبراً أنها جاءت في وقتها المناسب لمعالجة معاناة أهالي المختفين قسرياً. وأكد أن جريمة الإخفاء القسري تعد من أخطر الجرائم ضد الإنسانية، مشيراً إلى أنها جريمة مستمرة لا تسقط بالتقادم وفقاً للاتفاقيات الدولية. ونوه إلى ثغرة في اتفاقية قمع الإخفاء القسري التي تبدأ حساب التقادم من تاريخ اكتشاف الجريمة وليس من تاريخ وقوعها.
حذر أقبيق من اعتبارات المحاصصة أو التكنوقراط في تشكيل الهيئات، مؤكداً أهمية الاعتماد على الكفاءات المتخصصة القادرة على إنجاز المهام باحترافية. وأشار إلى أن إنشاء هيئتي المفقودين والعدالة الانتقالية يحقق غايتين أساسيتين: معالجة الملفات الإنسانية والقانونية، وقطع الطريق أمام الذرائع التي تستخدمها بعض الدول لاستمرار العقوبات.
اختتم أقبيق حديثه بالتأكيد على أن تشكيل الهيئات يمثل خطوة إيجابية كبيرة، لكن النجاح الحقيقي رهن بالتطبيق العملي والنزيه للنصوص القانونية. ودعا المواطنين إلى التوجه للهيئات المختصة للاستعلام عن ذويهم المفقودين، معرباً عن تفاؤله بمستقبل أفضل لسورية تعود فيه المؤسسات لخدمة المواطن وتحقيق طموحاته.