روسيا تشد الأحزمة بعد الاعتداء على قاعدة حميميم…. وقوات الأمن العام تدخل القرداحة وجبلة واللاذقية وتوجه رسالة إلى الفصائل المنفلتة
أكثر من خمسة أشهر مضت كانت العلاقات بين موسكو والحكومة السورية الجديدة على ما يرام، ولكن بقي الوجود العسكري الروسي في سوريا بعد سقوط النظام واختفاء الدور الإيراني. بقي هذا الوجود يشغل الشارع السوري في مختلف المناطق في الساحل والداخل. بالنظر للدور الذي لعبته روسيا خلال الحرب وخلال سقوط النظام واعترافها السريع بالسلطة الجديدة، ومع ذلك بقي السؤال عن مصير الوجود الروسي في سوريا دون إجابة شافية.
ذلك ليس بسبب العلاقة بين موسكو ودمشق. فالجميع يعلم أن الحكومة السورية والكرملين كانا بعد سقوط النظام حريصين على البحث عن مفردات مشتركة رغم وقوف موسكو إلى جانب النظام السابق طوال فترة الحرب في سوريا. ولكن كان الجانبان يدركان أن الخسائر ستكون فادحة في حال الاختلاف وفتح جبهة جديدة والسير وراء دعوات الاتحاد الأوروبي وتحريض حكومة الشرعية للمطالبة بإخراج روسيا من سوريا. وهذا لم يحصل رغم الهجوم غير المبرر على القاعدة الروسية في حميميم وهو أول هجوم بري وكان يهدف على ما يبدو إلى التأثير على المحادثات الأمريكية التركية في إسطنبول. والاعتداء يخدم أوكرانيا ومن يدعمها، وهو محاولة للضغط على موسكو في خضم المفاوضات الجارية على مستويات عدة حول الأزمة في أوكرانيا والمحادثات الأمريكية التركية والتصريحات المتواترة بشأن لقاء القمة المرتقب بين الرئيسين بوتين وترامب والذي لم يحدد مكانه مع أن الترجيحات تضع الفاتيكان في المقدمة لعقد القمة الأمريكية الروسية وربما تركيا أو حتى السعودية نفسها التي بقيت لأسابيع تتحضر لهذه القمة. ولكن فجأة تراجعت وحلت محلها تركيا، وبعد ذلك تم طرح الفاتيكان.
وذلك خلال المحادثات الثلاثية السورية الأمريكية التركية في إسطنبول في وقت شكل قرار رفع العقوبات الأمريكية والأوروبية عن سوريا خطوة إيجابية مع حركة اتصالات سورية مع كل من تركيا والدول العربية، وبخاصة الأردن الذي تشهد العلاقات السورية معه تطورات مدهشة ومتسارعة. وكأن الأردن هو الملاذ من المناكفات بين إسرائيل وتركيا وبين أمريكا وتركيا وبين الروس والأوروبيين حول سوريا أيضا. فالأردن كان خلال خمسين عاما حذرا من إقامة علاقات قوية مع النظام البعثي السابق في سوريا، وفجأة تغير كل شيء في ظل السلام والتطبيع مع إسرائيل حيث يبدو أن الأردن يتسلم دفة تعويم الحكومة السورية وتسويقها إلى العالم. كما أن الأردن يرتبط بعلاقات حميمة مع الولايات المتحدة وتركيا وروسيا، عدا عن علاقاته مع دول الخليج العربي ومصر والعراق.
وفي ضوء المباحثات التركية الأمريكية حول سوريا، وهي محادثات معقدة وصعبة لأن كلا الحكومتين في اتجاه وفي خندق بالنسبة لحزب العمال الكردستاني وبالنسبة لقوات سورية الديمقراطية التي تطالب تركيا بحلها مثلها مثل حزب العمال. ومن المستبعد أن يصل الأمريكي والتركي إلى أي توافق حول هذا الموضوع لأن تركيا تريد مسح حزب العمال الكردستاني ومن يمثله على الأراضي السورية، وهذا ما ترفضه بشكل قاطع واشنطن. ومن هنا جاء التصعيد ضد روسيا واستهداف قاعدة حميميم لضرب عصفورين بحجر واحد. فمن جهة تشعر أوروبا والولايات المتحدة أن ثمن قرار رفع العقوبات الأوروبية ليس قليلا، والهجوم الذي أدى إلى مقتل أربعة من المهاجمين في قاعدة حميميم وهو أول هجوم بري منذ سقوط النظام. وبالتالي الهجوم لا يعدو ممارسة ضغوط نفسية على موسكو في الوقت الذي تتقدم فرنسا وألمانيا خطوة باتجاه تطوير علاقاتهما مع دمشق بعد الأنباء عن استثمارات فرنسية في مرفأ اللاذقية…
من الصعب أن تطلب الحكومة السورية اليوم رغم التطورات على صعيد رفع العقوبات والانفتاح الغربي والأمريكي على دمشق من الصعب أن تطلب دمشق بخروج القوات الروسية من الساحل السوري. بالنظر إلى توافق المصالح الروسية والتركية في سوريا والتواصل والتنسيق الأمريكي الروسي حول سوريا… أضف إلى ذلك الموقف الإسرائيلي الذي يبدو داعما للوجود الروسي في سوريا ليس من منطلق الحرص على سوريا وإنما لأن إسرائيل تسعى لتقسيم سوريا وهي تعتقد أن أبناء الساحل أصبحوا اليوم بعد مجازر الساحل التي أودت بالآلاف أكثر استعدادا لقبول فكرة التقسيم بعد أن طالب البعض بحماية دولية. ومهما يكن من أمر فإن لغة المصالح بين قصر الشعب والكرملين واستمرار التحسن في العلاقات بين موسكو وواشنطن مع استمرار الخلافات والتوتر في العلاقات الأمريكية الأوروبية ربما تكون عوامل هامة تجعل من الصعوبة على حكومة دمشق أن تطالب بخروج القوات الروسية. رغم وجود دعوات من قبل بعض الجهات السورية تعكسه وسائل الإعلام في تحليلاتها ومتابعاتها يظهرون عداوة اتجاه الروس الذين عبروا بلسان الوزير لافروف عن غضب حقيقي في موسكو جراء جرائم الساحل.
ولكن ما يربط سوريا وروسيا يعد راسخا وقويا ولا تستطيع أي سلطة تحكم في دمشق أن تمحو تاريخ العلاقات بين موسكو ودمشق. وربما تزداد الهجمات على قاعدة حميميم ولكن سيبقى الوجود الروسي بعد سقوط النظام رهن الاتفاقات بين الدولتين العظميين روسيا والولايات المتحدة. وما دامت واشنطن وموسكو تنسقان بشأن سوريا فإن الموقف الإسرائيلي سيبقى مجرد مناكفة مع تركيا. لأن الجميع في نهاية المطاف سيخسر في حال الفوضى في سوريا وربما سيربح الجميع وسيتم تقاسم الكعكة السورية لكل حسب نفوذه على الأرض. وفي هذه الحالة ستبقى تركيا تربح وربما بدرجة أكبر أمريكا وستبقى موسكو لاعبا أساسيا لأن لا أحد يستطيع أن يتحمل عداوتها على الساحة السورية. فالجميع يعرف حجمها وقوة تأثيرها ومكانتها لدى مختلف الأطراف. ومحاولات اللعب على وتر القواعد الروسية كعامل للمساومة وخلط الأوراق على الساحة السورية سيكون رهانا خاسرا مهما كانت الجهة التي تقف وراءه.