في حوار شامل مع الإعلامي إياد إبراهيم، كشف الباحث والمحلل السياسي مصطفى النعيمي عن التحولات الاستراتيجية في السياسة الأمريكية تجاه سوريا والمنطقة، مشيراً إلى أن قرار واشنطن بتقليص وجودها العسكري في سوريا يأتي في إطار رؤية جديدة تهدف إلى إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية.
أوضح النعيمي أن الرسالة الأمريكية للسوريين واضحة، حيث تؤكد الإدارة الأمريكية أنها كانت موجودة في المنطقة بسبب الضرورة وليس بدافع حب المنطقة أو حماية المصالح فقط. وأضاف: “اليوم ومع تعافي الدولة السورية تدريجياً، فإن الولايات المتحدة تريد المشاركة في هذا التعافي من خلال الانسحاب التدريجي”. كما اعتبر أن هذه الخطوة تحمل رسالة واضحة لقوات سوريا الديمقراطية مفادها أن عليها التفاهم مع الحكومة السورية، حيث لن تحصل على الغطاء الأمريكي المستدام في ظل التسوية الدولية الجارية.
في سياق متصل، تناول النعيمي تصريحات المبعوث الأمريكي توماس باراك الذي وصف قوات سوريا الديمقراطية بالحليف المهم للكونغرس، مؤكداً أن الانسحاب الأمريكي لا يعني التخلي الكامل عن الحليف الكردي، بل هو تحول في الأدوار. واستشهد بتجربة “ألوية المعتصم” التي كانت مدعومة أمريكياً في مرحلة سابقة ثم تم دمجها في الجيش الوطني، معتبراً أن قوات سوريا الديمقراطية تشبهها في كونها “مكونات ضرورة” أنشئت لمواجهة تهديدات معينة ولم تعد هناك حاجة لاستمرارها بنفس الشكل بعد زوال هذه التهديدات.
أشار النعيمي إلى أن قوات سوريا الديمقراطية حاولت البحث عن بدائل بعد تراجع الدعم الأمريكي، حيث اتجهت نحو النظام السوري ثم إيران وروسيا، لكنها لم تحصل على الدعم المطلوب. واعتبر أن هذا يشير إلى أن الولايات المتحدة تبحث عن شركاء أقوياء في المنطقة، مع التأكيد على ضرورة انخراط جميع المكونات في مؤسسات الدولة السورية.
فيما يتعلق بالتأثير الأمريكي على القرار السياسي السوري، أكد النعيمي أن واشنطن منحت مساحة حركة كبيرة للقيادة السورية الجديدة وفق استراتيجية “خطوة بخطوة” التي بدأت في جدة. وأوضح أن هذه الاستراتيجية أثمرت عن اعتراف جزئي ثم كامل بالحكومة السورية، وزيارات متبادلة على مختلف المستويات، ورفع العقوبات، وصولاً إلى مرحلة التعاون الكامل. وخلص إلى أن سورية عادت إلى السكة الدولية، مع وجود مشتركات بين الرؤية الوطنية والمصالح الدولية.
في المحور الأوكراني، حلل النعيمي تداعيات الحرب على التوازنات الدولية، مؤكداً أن الولايات المتحدة تسعى لتفكيك خصومها ومنهم روسيا. وأشار إلى أن موسكو تستخدم البوابة اليمنية للرد على الضغوط الأمريكية في أوكرانيا، من خلال دعم الحوثيين في مواجهة واشنطن. كما اعتبر أن الحرب في أوكرانيا أضعفت أوروبا أكثر من روسيا، حيث اضطرت دول الاتحاد الأوروبي لزيادة إنفاقها العسكري بنسبة 400% لتطوير قدراتها الذاتية والحد من اعتمادها على الولايات المتحدة.
ختاماً، استبعد النعيمي احتمال استخدام الأسلحة النووية في الصراع الأوكراني، مشيراً إلى وجود ضوابط ومحددات تمنع ذلك. وأكد أن جميع الأطراف تبحث عن مخرج سياسي يمكنهم من الحفاظ على المكاسب التي حققوها، معتبراً أن المرحلة المقبلة ستشهد تحولات كبرى في موازين القوى الإقليمية والدولية.