ليست زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى الإمارات العربية المتحدة ومحادثاته مع رئيسها محمد بن زايد منفصلة عن التحولات الواسعة التي تشهدها المنطقة بعد خروج إيران منها.
ومع أن حكومة دمشق تضع دول الخليج وليس الإمارات فقط في مقدمة اهتماماتها وتعوّل عليها الكثير سياسياً واقتصادياً، وتعتمد عليها في عملية إعادة الإعمار وإعادة الأمن والاستقرار، إلا أن للزيارة أغراضاً أخرى تتعلق بموضوع السلام في المنطقة.
ولا ننسى أنه كان لدول الخليج العربي التأثير البالغ على إدارة ترامب التي أعادت رسم سياستها اتجاه سورية الجديدة بما يحقق المصالح المشتركة ويشجع الحكومة السورية على اتخاذ الخطوات اللازمة والضرورية لتأمين هذه المصالح.
ومع أن الجميع يدرك عمق العلاقات والتعاون والشراكة بين سورية والإمارات، إلا أن العلاقات بين دمشق وأبوظبي أخذت اتجاهاً إيجابياً متصاعداً خلال الأشهر الستة الأخيرة، في وقت كانت تحاول تركيا الاستفراد بالساحة السورية. غير أن الولايات المتحدة التي تدير اللعبة في المنطقة وفق المصالح الأمريكية وبما يحقق الأمن لإسرائيل، قامت بسلسلة خطوات كان أبرزها التنسيق بين حلفائها في الخليج وتركيا وإسرائيل من أجل ضبط إيقاع الصراع في سورية. وجاء تعيين توماس باراك السفير الأمريكي في أنقرة كمبعوث للرئيس ترامب إلى سورية من أجل ضبط التنافس والعداء بين الإمارات وتركيا أو بين الخليج وتركيا على الساحة السورية، حيث تتخذ الإمارات مع إسرائيل مواقف متشددة من مسألة وجود الفصائل المتطرفة في سورية وهي فصائل مدعومة من تركيا بشكل خاص.
ولا تزال المخاوف من تصدير الثورة تسيطر على الإمارات ودول الخليج عموماً، وهذه المخاوف مصدرها تركيا التي تدعم الإخوان المسلمين في المنطقة، وهذا يشكل رعباً حقيقياً في الإمارات التي باتت ترى في السلام مع إسرائيل حلاً للتخلص من التطرف الذي يجتاح المنطقة، ولا فرق أن كان التطرف مدعوماً من تركيا أو من إيران، خاصة وأن الإمارات دولة منفتحة وهي تضم مكونات متعددة وتحارب التطرف والإرهاب بلا هوادة وبكل الوسائل.
ولا شك أن زيارة الرئيس الشرع الثانية للإمارات تساهم في التقليل من هذه المخاوف والهواجس الإماراتية، والهدف إقامة علاقات استراتيجية عميقة بين البلدين لتكون قاعدة ومثالاً يحتذى. ومع أن كل الظروف الموضوعية تبشر بالخير، إلا أن الزيارة في توقيتها طرحت العديد من التساؤلات، خاصة وأنها جاءت بعد اللقاء التاريخي بين الرئيس ترامب والشرع في الرياض، وبعد قرار ترامب إلغاء العقوبات بشكل كامل عن سورية ورفع اسم هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) عن قائمة الإرهاب. وبالتالي بدت الزيارة بمثابة ربط بين سورية والولايات المتحدة عبر المنظومة الخليجية، وهذا ربما يثير حفيظة تركيا التي كانت تنتظر أن تستفرد لوحدها بالكعكة السورية بعد انتصار الثورة كما فعلت في ليبيا. غير أن تحركات الرئيس الشرع والتوازن السياسي الذي ينتهجه للمحافظة على المصالح السورية حال دون تمكن تركيا من هذا الاستفراد، وأعطى دول الخليج وخاصة الإمارات التي تتخوف من الإسلام السياسي والتطرف ومحاولات تصدير الثورة مكانة خاصة، الأمر الذي انعكس ارتياحاً في الشارع السوري الذي بدأ ينظر إلى الرئيس الشرع ونجاحاته وخطواته ليس كرئيس لسورية فحسب، بل كقائد ثورة استطاع خلال فترة قصيرة أن يفتح أبواباً ظلت مغلقة لسنوات طويلة.
وطالما أننا نتحدث عن أهداف ونتائج زيارة الرئيس الشرع الثانية إلى الإمارات، فإنه يمكننا القول بأنها زيارة طبيعية ربما الهدف منها تقديم الشكر للإمارات التي لا يتوقف دورها وسياستها عند تقديم الدعم للثورة السورية ولحكومة الشرع مادياً واقتصادياً، وإنما يتعداه إلى مساعدتها على كسب المزيد من الدعم والتأييد الدولي وخاصة الأمريكي والأوروبي. بالإضافة طبعاً إلى أن الإمارات تتوجس خوفاً من مسألة تصدير الثورة السورية وتحارب التطرف والتعصب، وهي دولة منفتحة ولا تقبل بأي حال من الأحوال سياسة الانغلاق. ولهذا تطالب دائماً بإخراج الفصائل السورية الأجنبية المتطرفة من المشهد السياسي السوري، وتنظيف وزارة الدفاع من العناصر الأجنبية، وهذا ما تعمل الحكومة السورية لتنفيذه من خلال مشاركة كافة المكونات والطوائف في الحكم. حيث يشكل تنفيذ الاتفاق مع قوات سورية الديمقراطية التي ترتبط بعلاقات قوية مع الإمارات العربية المتحدة أحد أهم الضمانات التي تطالب بها أبوظبي لتطمئن تماماً بأن الحكومة السورية لن تسمح بانتشار التطرف والتعصب، وأنها جادة في إقامة حكومة منفتحة في الداخل كما هي منفتحة على الخارج.
وفي الواقع، تدخل الإمارات من خلال ما تقدمه لسورية وما تخطط له لاستثماراتها في الساحل السوري خاصة، في عمق الحياة السياسية والاقتصادية السورية لدرجة أنه لا يمكن الاستغناء عن دورها في المرحلة القادمة وهي مرحلة إعادة الإعمار. فسورية تحتاج اليوم لتعود إلى الحياة الطبيعية، إلى السلام وإلى الأمن والهدوء والاستقرار. ولا شك في أن الإمارات العربية المتحدة تعمل على ذلك، وهو ما يدفع الرئيس الشرع إلى الاعتماد على رئيس الإمارات محمد بن زايد ليكون عوناً له لمواجهة التحديات التي يفرضها الواقع السوري. إذ لا يمكن حصر الدور الإماراتي في سورية الجديدة بمجال أو جهة معينة، ففي كل الاتجاهات وفي كل المجالات السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية تظهر الإمارات مع السعودية في المقدمة. ولا يخفى على أحد الدور الخليجي السعودي والإماراتي والقطري في دفع العلاقات بين دمشق وواشنطن إلى الأمام بعد 15 عاماً من القطيعة والعداء.
ولا ننسى أبداً أن الإمارات العربية المتحدة التي يمكنها أن تلعب دور الوسيط بين سورية وإسرائيل، كذلك فإنها ترتبط مع روسيا بعلاقات وثيقة، وبالتالي يمكننا أيضاً التأثير على المواقف التركية عبر روسيا. ومن هنا نفهم لماذا يصر الرئيس الشرع على إبراز الدور الإماراتي المتميز والفاعل والضروري لإحلال الأمن والاستقرار في سورية، مع الإشارة إلى وجود مئات الآلاف من السوريين الذين يعملون في الإمارات العربية المتحدة منذ سنوات طويلة بحرية وأمان.
والشعب السوري يشعر اليوم بكل أطيافه ومكوناته بالفرح لعودة العلاقات بين دمشق وأبوظبي.