لم يكن أكثر الناس تشاؤماً ينتظر أن يفشل الاجتماع بين الرئيس الشرع ومظلوم عبدي في قصر تشرين، وهو ثاني اجتماع لهما بعد أربعة أشهر من التوقيع على اتفاق العاشر من آذار في قصر الشعب. فقد كان فشل الاجتماع مدوياً، واستدعى إصدار بيانات وتصريحات من كافة الأطراف. فلم يكن أحد يتوقع أن تتحدى قسد الحكومة وتتراجع عن تنفيذ اتفاق العاشر من آذار التاريخي، والذي يتضمن دمج قسد بكل مكوناتها المدنية والعسكرية مع الدولة السورية، وضم قوات سورية الديمقراطية إلى وزارة الدفاع السورية. ولكن كل ذلك لم يحدث، وما حدث هو العكس، فقد اتسعت الهوة بين الجانبين وازدادت الخلافات والاتهامات بعرقلة الاتفاق وتعطيله.
غير أن التطور اللافت في هذا الموضوع هو المشاركة الأمريكية في الاجتماع الثاني بين الشرع وعبدي بشخص المبعوث الأمريكي إلى سورية توماس باراك، والذي أعلن بكل وضوح عن التباينات والخلافات بين مقاربة الحكومة وبين قسد، داعياً في الوقت نفسه قوات سورية الديمقراطية للتخلي عن فكرة الفدرلة واللامركزية واعتبر أنهما لا تناسبان سورية أبداً، وحمل قسد المسؤولية عن عدم تنفيذ الاتفاق. الأمر الذي زاد من مخاوف قسد وقيادتها، خاصة بعد الاندفاعة الأمريكية باتجاه الحكومة السورية، وإشادة ترامب بحكومة الشرع، وتأكيده على أن إدارته قررت منحها فرصة، وأعلنت رفع العقوبات عنها، ورفع اسم هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) عن قائمة الإرهاب. وأكد أن إدارته ستعمل على مساعدة حكومة الشرع على استعادة الأمن والاستقرار، وثمن ترامب الخطوات التي اتخذها الشرع خلال الأشهر الستة الماضية والتي كانت إدارة ترامب تعتبرها فترة اختبار، ويبدو أن حكومة الشرع نجحت في الاختبار. وهذا الأمر زاد من مخاوف قوات سورية الديمقراطية من أن التقارب بين واشنطن ودمشق سيكون على حسابها، ولكنها برغم ذلك أصرت على مواقفها وطالبت بتعديل اتفاق العاشر من آذار، ورفضت تسليم السلاح والانضمام إلى وزارة الدفاع السورية.
بينما كان موقف الحكومة السورية حاسماً وقاطعاً، حيث أكدت الحكومة بعد اجتماع الرئيس الشرع وعبدي تمسكها بسورية واحدة موحدة أرضاً وشعباً وجيشاً، ودعت إلى التكاتف الوطني وإلى تسليم السلاح، وحذرت من التأخير في تنفيذ اتفاق العاشر من آذار. وخلال لقاء الرئيس الشرع مع المبعوث الأمريكي، تم التأكيد على هذه المبادئ السورية، وأعلن المبعوث الأمريكي توماس باراك أن الفدرلة واللامركزية لا تناسبان سورية. وهذا الموقف الأمريكي يتماشى مع الموقف الرسمي للحكومة السورية.
مقاربة عجيبة لقوات سورية الديمقراطية تزامنت مع تطورات متسارعة في المنطقة تتعلق بخطوات التطبيع الأمريكية والبريطانية مع حكومة دمشق بعد رفع العقوبات، وزيارة ديفيد لامي وزير الخارجية البريطاني إلى دمشق ولقائه الرئيس الشرع. وتزامنت أيضاً مع زيارات متبادلة للمسؤولين السوريين والأتراك، ومع إعلان رئيس حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان انتهاء الكفاح المسلح ضد الدولة التركية وتسليم السلاح والتوجه للعمل الديمقراطي والسياسي. وهذا القرار له تأثيرات إيجابية كبيرة على سورية، ذلك لأن حزب الاتحاد الديمقراطي في سورية يعتبر جزءاً من حزب العمال الكردستاني، وبالتالي فإن انعكاسات إعلان أوجلان ستكون مباشرة على الساحة السورية، خاصة مع توجه حكومة الشرع إلى تصفير المشاكل مع الجميع. وقد جاءت خطواتها الداخلية والخارجية لتصب في هذا المجال.
فعلى الصعيد الخارجي، كانت الزيارة الهامة التي قام بها الرئيس الشرع إلى الإمارات، وذلك بهدف الطلب من رئيسها محمد بن زايد مساعدة سورية وحكومتها للتغلب على المصاعب الناتجة عن التدخلات الإسرائيلية في الشؤون السورية، من ناحية استمرار الاعتداءات ودعم إسرائيل للأكراد الانفصاليين وتشجيع الأقليات على التمرد.
وليس خافياً على الحكومة السورية الدور السلبي الذي تلعبه حكومة الاحتلال الإسرائيلي على الساحة السورية، وهذا الدور يتعارض مع التوجهات العربية اتجاه حكومة دمشق. وربما يجد نتنياهو في قوات سورية الديمقراطية شريكاً له لضرب استقرار المنطقة، ومنع سورية من إعادة ترتيب بيتها الداخلي واستعادة دورها ووحدتها. وفي المقابل، تحرص حكومة دمشق على تصفير المشاكل مع الجميع، وتعمل على وضع حد للاعتداءات الإسرائيلية، وتسعى لإعادة الهدوء على جبهة الجولان من خلال العودة إلى اتفاق فض الاشتباك لعام 1974. في وقت تحاول حكومة نتنياهو المتطرفة دق إسفين بين مكونات الشعب السوري من خلال دعم الدروز في الجنوب وتشجيعهم على مناهضة الحكومة تحت عناوين مختلفة، في وقت تسعى إسرائيل لتنفيذ مشروع ممر داوود عبر البادية السورية لتقسيم سورية وتقطيع أوصالها وتحقيق مشروع إسرائيل الكبرى.
غير أن الرهان على أبناء الجزيرة السورية وأبناء العشائر العربية والعناصر العربية ضمن قوات سورية الديمقراطية، وعلى أبناء سورية الذين قدموا التضحيات، ولن يتركوا إسرائيل تجني ثمار تضحياتهم. وستكون الكلمة النهائية للشعب السوري العظيم الذي كان يقف دائماً ضد مشاريع التقسيم والانفصال المدعومة من إسرائيل. وسوف يكتشف هؤلاء أن سورية وجيشها وقيادتها ستكون قادرة على تحديد وصنع مستقبل سورية الجديد، سورية الواحدة الموحدة المنتصرة.