في ظل التصعيد المستمر في جنوب سوريا وخرق إسرائيل لاتفاق فض الاشتباك لعام 1974، تبرز معادلة صراع جديدة تضع تركيا وإسرائيل على طرفي نقيض في الساحة السورية، وإن بشكل غير مباشر. وفي حديث خاص مع الإعلامي علي جمالو، مدير مجموعة الإعلام المستقلة، تم كشف النقاب عن الخيوط الخفية لهذا التنافس الذي يهدد بتحويل سوريا إلى ساحة صراع مفتوحة، مع ما يحمله ذلك من مخاطر على استقرار المنطقة بأكملها.
يرى جمالو أن ما يحدث ليس مواجهة مباشرة بين تركيا وإسرائيل، بل صراع مصالح تتداخل فيه الأجندات الدولية مع الحسابات الإقليمية. ويشير إلى أن إسرائيل، بدعم أمريكي، فرضت ثلاث دوائر أمنية في سوريا: الأولى تمتد 20 كم شرق خط 1974 وتخلو من أي وجود بشري أو عسكري، والثانية تشمل محيط دمشق حيث تمنع تحركات الجيش السوري الثقيلة، والثالثة تمتد من مصياف إلى الرقة حيث يحظر نشر الدفاعات الجوية. هذه الدوائر تفسر -حسب التحليل- قصف مطار التيفور عندما حاول الأتراك إنشاء قاعدة هناك، كما تفسر التصعيد الأخير في السويداء الذي يعتبره جمالو “ورقة انتخابية إسرائيلية” لاسترضاء الناخبين الدروز داخل الكيان الصهيوني.
في السياق الديموغرافي، يكشف التحليل أن إسرائيل استغلت تركيبة السويداء الاجتماعية منذ عام 2023 لخلق بؤرة توتر، حيث منع النظام السابق سابقاً من دخول المحافظة بناء على طلب روسي تلبية لرغبة نتنياهو. ويحذر جمالو من أن أي دعوات للحكم الذاتي في السويداء هي “انتحار اقتصادي”، نظراً لعدم وجود مقومات للبقاء المستقل من موارد مائية أو بنية تحتية. ويرى أن الحل يكمن في تبريد الأجواء وإطلاق مبادرات وطنية تجمع الدروز حول مشروع الدولة، بعيداً عن الاستقطابات الطائفية التي تخدم الأجندات الخارجية.
على الصعيد الروسي، يرفض جمالو أي دور فعال لموسكو في الجنوب السوري، معتبراً تصريحات لافروف حول تقديم مستشفى ميداني للسويداء مجرد “تسويق سياسي”. ويؤكد أن روسيا لا تملك أوراق ضغط حقيقية على إسرائيل، رغم العلاقات الوثيقة بينهما، خاصة أن القرار الفعلي بيد واشنطن التي تتحكم في الملف السوري وفق رؤيتها الاستراتيجية.
في الشمال السوري، يبرز التنافس التركي-الإسرائيلي بشكل مختلف، حيث تحاول أنقرة الحفاظ على نفوذها عبر الجيش الوطني، بينما تعمل إسرائيل على تقويض أي وجود تركي قد يهدد مصالحها. ويشير التحليل إلى أن اتفاق 10 آذار بين دمشق وقسد ما زال صالحاً للتنفيذ، رغم المحاولات الإيرانية لاختراقه وتفجيره من الداخل خدمة لأجندة طهران التخريبية.
ختاماً، يؤكد جمالو أن سوريا تدفع ثمن صراع القوى الإقليمية والدولية، وأن أي حل حقيقي يجب أن يبدأ بإعادة الاعتبار للدولة السورية كطرف مستقل قادر على حماية سيادته. ويبقى السؤال الأكبر: هل ستتمكن سوريا من الخروج من هذا المتاهة الإقليمية التي تحاك حولها، أم ستظل رهينة الصراعات الخفية بين القوى الكبرى؟ الإجابة على هذا السؤال ستحدد ليس فقط مستقبل سوريا، بل أيضاً شكل التوازنات الإقليمية في السنوات القادمة.