في ظل التحركات الدبلوماسية المكثفة التي تشهدها المنطقة، تبرز زيارة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى دمشق كواحد من أهم التطورات التي قد تُعيد رسم خريطة التحالفات الإقليمية حول سوريا. وفي حديث خاص لشبكة شام نيوز إنفو مع الإعلامي عماد نداف على أثير إذاعة فيرجن إف إم، تم تحليل أبعاد هذه الزيارة وعلاقتها بإلغاء مؤتمر باريس والتوجه نحو عمان وأنقرة، في إطار الصراع الخفي على تحديد مستقبل سوريا في المرحلة الانتقالية الحساسة.
يرى نداف أن تركيا، رغم تناقضات مواقفها السابقة، ترفض بشكل قاطع أي مشروع لتقسيم سوريا أو المساس بسيادتها، وذلك انطلاقاً من إدراكها أن مصيرها مرتبط بمصير الجوار السوري. ويشير إلى أن أنقرة تفضل سوريا موحدة وقوية قادرة على ضمان أمنها الحدودي، خاصة في مواجهة التمدد الكردي والمشاريع الإسرائيلية في الشمال. كما يكشف أن الزيارة تأتي في إطار تحول إقليمي كبير بات يضع “المصالح” فوق الأيديولوجيات، حيث لم يعد هناك مكان لمحاور الممانعة والمقاومة، بل لتحالفات المصالح المشتركة التي تخدم الاستقرار الاقتصادي للأطراف جميعاً.
على الصعيد الدولي، يحلل نداف التراجع الأمريكي عن مشروع التقسيم والتحول نحو دعم وحدة سوريا، مشيراً إلى أن واشنطن أدركت أن سوريا المستقرة هي بوابة الاستقرار للشرق الأوسط بأكمله. ويربط هذا التحول بالثروات الطبيعية الكامنة في البادية السورية، خاصة السيليكون الذي أصبح سلعة استراتيجية في العصر الرقمي، ما يجعل من سوريا سوقاً مستقبلية واعدة للاستثمارات العالمية.
في الإطار الداخلي، يؤكد نداف أن التحدي الأكبر الذي يواجه الحكومة السورية الجديدة هو كيفية إدارة المرحلة الانتقالية دون الوقوع في فخ الحروب الأهلية أو التفتت الطائفي. ويحذر من أن أي تنازل لمكون معين (كدولة كردية في الشمال أو حكم ذاتي في السويداء) سيفتح الباب أمام مطالب مماثلة من مكونات أخرى، ما يؤدي إلى انهيار الدولة بشكل كامل. ويدعو إلى بناء عقد اجتماعي جديد يقوم على فكرة “المصلحة الوطنية المشتركة” بدلاً من الاصطفافات الطائفية والمناطقية.
ختاماً، يشدد نداف على أن خلاص سوريا لن يأتي من المؤتمرات الدولية أو الضغوط الإقليمية، بل من قدرة السوريين أنفسهم على تجاوز جراح الماضي وبناء مستقبل يقوم على الاعتراف المتبادل والمصالح المشتركة. ويبقى السؤال الأكبر: هل ستتمكن النخبة السورية الحالية من قيادة عملية الانتقال من مرحلة الثورة إلى مرحلة الدولة، أم أن غياب الحياة السياسية والحزبية الحقيقية سيدفع بالبلاد إلى مزيد من التشرذم؟ الإجابة على هذا السؤال ستحدد ليس فقط مصير سوريا، بل أيضاً شكل الشرق الأوسط في العقود القادمة.