تشهد محافظة حمص تصاعدا في حوادث العنف ذات الطابع الطائفي، بعد سلسلة من الاغتيالات التي استهدفت خلال الأيام القليلة الماضية عددا من المدنيين، غالبيتهم من أبناء الطائفة العلوية. وتوزعت الهجمات على أحياء مختلفة داخل المدينة، في وقت يتراجع فيه الحضور الأمني الفاعل وتتعاظم فيه المخاوف من انفلات لا يمكن احتواؤه بسهولة.
في منطقة المختارية، قُتل شخصان داخل صالون حلاقة، فيما أُصيب صاحب الصالون بجروح خطيرة، وهو من الطائفة العلوية وكانت قد تعرضت ابنته للاختطاف منذ أشهر، الهجوم نُفذه مسلحون مجهولون وسط النهار ، ولم تتدخل العناصر الأمنية المتمركزة في محيط الحي.
وفي كرم الزيتون، إحدى المناطق التي تضم خليطا سكانيا متنوعا، أُطلق النار على رجل وزوجته أثناء وجودهما في الشارع، ما أدى إلى مقتلهما على الفور. الشهود تحدثوا عن مهاجمين يستقلون دراجة نارية، تحركوا داخل منطقة محاطة بحواجز تفتيش أمنية من دون أن يتم اعتراضهم كذلك.
بعد ذلك بيومين، وقعت حادثة أخرى في حي وادي الذهب، حيث قُتل رجل يبلغ من العمر خمسين عاما برفقة نجله داخل محل تجاري، وكما في الحالات السابقة، لم يُعلن عن اعتقال أي مشتبه به، كما لم تُعرف الجهة المسؤولة عن هذه العمليات.
تشابه أسلوب التنفيذ، واستهداف أفراد من خلفية طائفية واحدة، يعيد إلى الأذهان أنماطا من العنف الذي طغى على المشهد السوري في مراحل سابقة، حيث كانت الهويات الطائفية بحد ذاتها سببا كافيا للقتل. في هذه الموجة الجديدة من العنف، لا يبدو أن هناك أهدافا سياسية مباشرة أو صراعا مسلحا مفتوحا، بل ما يشبه سياسة ترهيب منظمة تنفذها مجموعات مسلحة خارج نطاق السيطرة الرسمية.
اللافت أن الهجمات وقعت في مناطق خاضعة للسلطات الحكومية، وتُعد من الأحياء التي يفترض أن تتمتع بحماية أمنية مشددة. إلا أن قدرة المهاجمين على التحرك بسهولة ومغادرة مواقع التنفيذ من دون اعتراض، يضع أداء الأجهزة الأمنية موضع تساؤل واسع.
تأتي هذه الحوادث بينما تواصل الحكومة الجديدة تولي مهامها في ظل أوضاع أمنية غير مستقرة. وقد أثارت موجة الاغتيالات الأخيرة قلقا كبيرا لدى السكان، خصوصا من الطائفة العلوية، الذين عبّروا في أحاديث غير رسمية عن شعور متزايد بالخوف وفقدان الثقة بالإجراءات الأمنية المتبعة.
حتى الآن، لم تصدر السلطات بيانا رسميا بشأن الحوادث، ولم تُعلن نتائج أي تحقيق. ومع غياب الشفافية، تزداد الشكوك حول ما إذا كانت هذه الهجمات مجرد عمليات منفلتة، أم أنها مؤشر على عودة نمط من العنف المنظم يهدد تماسك المجتمع في هذه المرحلة الحساسة.
في ظل هذا التصعيد، تُطرح أسئلة جدية حول قدرة الدولة على حماية الأقليات، وضمان عدم تحولها إلى أهداف سهلة في خضم أي فراغ أمني أو سياسي. كما تبرز الحاجة إلى تحرك عاجل، لا يقتصر على الإجراءات الأمنية، بل يشمل مقاربة أوسع لإعادة بناء الثقة بين مكونات المجتمع، ومنع الانزلاق نحو مزيد من الاستقطاب.