
في سياق التحولات الدولية المتسارعة، تبرز الزيارة المرتقبة للرئيس السوري أحمد الشرع إلى واشنطن كمحطة فارقة في مسار إعادة تعريف الدور السوري الإقليمي والدولي. وفي حديث خاص عبر شبكة شام نيوز إنفو على إذاعة فيرجن إف إم، يرى الباحث والمحلل السياسي مصطفى النعيمي أن هذه الزيارة تحمل أبعاداً استراتيجية تتجاوز الإطار البروتوكولي إلى إعادة رسم التحالفات الإقليمية في مرحلة ما بعد التحرير.
يكشف النعيمي عن تعقيدات الملف السوري في المرحلة الحالية، مشيراً إلى أن سورية ليست مستعدة بعد للتوقيع على اتفاقية سلام شاملة أو الانضمام إلى اتفاقية السلام الإبراهيمية، وذلك في ظل وجود ملفات عالقة أبرزها قضية الجولان المحتل التي تشكل شرطاً أساسياً لأي تفاوض مستقبلي. ويسجل أن وحدة الأراضي السورية واستعادة الجولان تبقى الخط الأحمر في أي مفاوضات محتملة مع الجانب الإسرائيلي.
في تحليل آليات تنفيذ أي اتفاق مستقبلي، يشير النعيمي إلى وجود عدة سيناريوهات مطروحة، أبرزها إما نشر قوات أممية على غرار اليونيفيل في جنوب لبنان، أو وجود قوات روسية، أو حتى قوات مشتركة أمريكية-إسرائيلية-سورية، مع الإشارة إلى أن واشنطن تفضل العمل ضمن تحالفات دولية وليس بشكل منفرد. ويسجل أن الانسحابات الأمريكية المتكررة من قواعدها في شمال سوريا، والتي وصلت إلى أكثر من 65%، تشير إلى توجه جديد في السياسة الأمريكية بالمنطقة.
على صعيد الملفات الاقتصادية، يبرز النعيمي أن رفع العقوبات وخاصة قانون قيصر يشكل أولوية للجانب السوري، حيث أن الإجراءات التقنية المتعلقة برفع هذه العقوبات تتطلب تصويتاً في مجلس النواب الأمريكي وتوقيعاً من الرئيس الأمريكي. ويسجل أن عودة منظومة “سويفت” للعمل ستشكل مؤشراً عملياً على نجاح الزيارة، وسينعكس إيجاباً على الوضع المعيشي للمواطن السوري.
في مقارنة بين زيارة موسكو وواشنطن، يرى النعيمي أن كلا الزيارتين تحملان أهمية استراتيجية لسورية، لكن مع اختلاف جوهري يتمثل في أن التعاون مع روسيا يحمل أبعاداً عملية ملموسة في مجال التسليح وإعادة الإعمار، بينما يبقى التعاون الأمريكي في إطار النظري حتى الآن. ويسجل أن سورية ما زالت ضمن المعسكر الشرقي وفق العقيدة القتالية الروسية، لكنها تسعى لتحقيق توازن دقيق في علاقاتها الدولية.
ختاماً، يؤكد النعيمي أن التحدي الأكبر يتمثل في تحقيق التوازن بين متطلبات السياسة الخارجية وضرورات الإصلاح الداخلي، حيث أن نجاح سورية في تحويل هذا التوازن الدقيق إلى سياسة مستدامة سيمكنها من الحفاظ على استقلالها وتحقيق مصالحها الوطنية. ويبقى السؤال المركزي: هل ستتمكن سورية من تحويل هذه الزيارة التاريخية إلى رافعة حقيقية لتعزيز مكانتها الإقليمية والدولية، أم أن تعقيدات المشهد الدولي ستحد من تأثيرها؟ الإجابة على هذا السؤال ستحدد ملامح المرحلة القادمة في المسيرة السورية.

