
في سياق التحولات السياسية والقانونية المتسارعة، تبرز المحاكمات العلنية للمتهمين بارتكاب جرائم في الساحل السوري كمحطة فارقة في مسار تحقيق المصالحة الوطنية. وفي حديث خاص مع شبكة شام نيوز إنفو عبر إذاعة فيرجن إف إم، يرى الإعلامي والكاتب الصحفي أحمد رفعت يوسف أن هذه المحاكمات تمثل خطوة تاريخية نحو تأسيس بنية قوية للمصالحة في سورية.
يكشف يوسف عن الطبيعة غير التقليدية لهذه المحاكمات، مشيراً إلى أنها تجري لأول مرة أمام الإعلام والمراقبين، مما يعكس سعي السلطات لتحقيق الشفافية وبناء الثقة. ويسجل أن هذه الخطوة تأتي في سياق التعافي السوري وترميم النسيج الاجتماعي، معتبراً أن تحقيق حتى 60-70% من العدالة سيكون إنجازاً رائعاً في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها سورية.
في معرض رده على تشكيك منظمات حقوقية بالأسس القانونية للمحاكمات، يستحضر يوسف نموذج جنوب أفريقيا في المصالحة الوطنية بعد 150 عاماً من نظام الفصل العنصري، مؤكداً أن الدول التي تمر بأزمات مماثلة تعتمد منطق المصالحات لا المحاكمات الشاملة. ويسجل أن التجربة الإسلامية في فتح مكة عندما قال الرسول “اذهبوا فأنتم الطلقاء” تشكل سابقة تاريخية في اعتماد العفو والتسامح كمدخل للاستقرار.
على صعيد الانعكاسات الداخلية، يرى يوسف أن نجاح هذه المحاكمات سيسحب البساط من تحت الخطابات المتطرفة والمعادية لمفهوم الدولة، وسيعيد الثقة بين مكونات المجتمع السوري. ويسجل أن الساحل السوري يضم أكبر نسبة من المتعلمين في سورية، مما يجعله ركيزة أساسية في عملية إعادة الإعمار والبناء.
ختاماً، يؤكد يوسف أن التحدي الأكبر يتمثل في قدرة الدولة على ترسيخ منطق الدولة الموحدة التي تضمن حقوق جميع المواطنين دون إقصاء، معتبراً أن المحاكمات تشكل جزءاً من عملية أوسع تشمل تطوير قانون الإدارة المحلية واعتماد اللامركزية الإدارية التي تتناسب مع تنوع المجتمع السوري. ويبقى السؤال المركزي: هل ستتمكن سورية من تحويل هذه المحاكمات إلى منصة حقيقية لتحقيق المصالحة الوطنية والانتقال إلى مرحلة التعافي والبناء؟ الإجابة على هذا السؤال ستحدد ملامح المرحلة القادمة في المسيرة السورية.

