في السنوات الأخيرة، شهدت سوريا تحولًا في استراتيجياتها الدولية، متجهة شرقا نحو الصين وروسيا وجنوبا نحو السعودية، بهدف إقامة علاقات قوية تعزز من التنمية والاستقرار في المنطقة. هذه التوجهات تأتي في إطار البحث عن شركاء ذوي مصداقية، بعيدا عن النفوذ الأمريكي الذي يعتمد على الإرهاب لتحقيق أجنداته، كما أشار الدكتور سليم حربا، الباحث والخبير في الشؤون الاستراتيجية والعسكرية.
يرى الدكتور حربا أن السبب الرئيسي وراء هذا التحول هو السعي لتحقيق الأبعاد التنموية والمعيشية والأمنية. الصين وروسيا تعتبران شريكين جادين في تحقيق الأمن الإقليمي والدولي، إذ تنظران إلى الملفات الدولية بعين القانون الدولي، بعكس الولايات المتحدة التي تستخدم الإرهاب كأداة لتحقيق أهدافها واستغلال الشعوب وسرقة ثرواتها.
يشير الدكتور حربا إلى أن المنتدى الوزاري الصيني العربي العاشر يمثل نقطة تحول في العلاقات الصينية العربية، حيث يسعى لتعزيز التعاون في مختلف المجالات. هذا المنتدى، الذي يمتد على مدار عشرين عامًا، يهدف إلى تطوير التعاون الصيني العربي على المستويات الاقتصادية والسياسية والأمنية، ويعكس أهمية العالم العربي بالنسبة للصين.
الصين تعتبر الآن القوة الاقتصادية الأولى في العالم على مستوى التجارة والتصدير، وتمتلك ثالث أقوى جيش في العالم، وتسعى لأن تصبح القوة الاقتصادية والعسكرية الأولى بحلول عام 2040. هذه القوة الاقتصادية كانت العامل الحاسم في تقارب العلاقات السياسية بين الصين والدول العربية، حيث تقدم الصين تكنولوجيا متقدمة تستفيد منها الدول العربية.
الصين بدأت تلعب دورا سياسيا متزايدا يتناسب مع حجمها الاقتصادي، ومن أبرز الأمثلة على ذلك دورها في تحسين العلاقات بين الرياض وطهران. هذا التحرك أعطى إشارة إنذار للولايات المتحدة، إذ أن الصين تسعى لإعادة رسم الخريطة السياسية العالمية بما يتماشى مع مصالحها.
زيارة وزير الخارجية السوري فيصل المقداد إلى الصين ولقائه بنظيره الصيني وان غيي جاءت لترجمة نتائج زيارة الرئيس بشار الأسد في سبتمبر 2023. هذه الزيارة نقلت العلاقات بين دمشق وبكين إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، وفق مشروع الحزام والطريق الذي يعزز التعاون الإنساني والحضاري والتنموي.
كما أن الصين أبدت موقفا ثابتا من قضية فلسطين، حيث أكد الرئيس الصيني شي جين بينغ أن الصين ستعمل على إعادة فلسطين إلى أهلها إذا أصبحت القوة العالمية الأولى. هذا الموقف يتقاطع مع البيان الختامي للمنتدى الوزاري الصيني العربي، الذي شدد على ضرورة الحفاظ على وحدة واستقرار سوريا ورفض التدخلات الأجنبية.
التقارب العربي مع سوريا بعد عودتها إلى الجامعة العربية يعكس تفهم الدول العربية للموقف السوري من الحرب على الإرهاب ودعم المقاومة. الدول العربية بدأت تدرك أن الأمن والاستقرار في المنطقة لا يمكن تحقيقه دون استقرار سوريا ودعمها لفلسطين.
هناك مؤشرات إيجابية تشير إلى تحسن العلاقات العربية مع سوريا، منها إرسال سفير سعودي إلى دمشق وتحسن العلاقات مع دول الخليج. هذه التحركات تشير إلى تغير جوهري في الموقف العربي تجاه سوريا، وتعزز من فرص الاستقرار والتنمية في المنطقة.
التوجه السوري نحو الشرق والجنوب يعكس استراتيجية جديدة تعتمد على بناء شراكات قوية مع دول تتمتع بمصداقية وسعي حقيقي لتحقيق الأمن والاستقرار. الصين وروسيا تعتبران شريكين استراتيجيين في هذا السياق، وتقديمهما للتكنولوجيا والدعم الاقتصادي يعزز من فرص التنمية في سوريا والمنطقة. هذا التحول يضع الولايات المتحدة أمام تحديات جديدة، حيث لم تعد العاصمة الوحيدة التي تحدد مسارات الأمن والسلم العالميين.